الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكل من تربطك بهم صلة قرابة عن طريق النسب يعتبرون من الأرحام الذين تطلب صلتهم شرعًا، سواء كانوا من الدرجة الأولى فما بعدها، ولذلك جاءت السنة بتعلم الأنساب؛ ففي مسند أحمد من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي أهْلهِ، مَثْرَاةٌ فِي مَالِه ، مَنْسَأَةٌ فِي أَثَرِهِ." حسنه الألباني، والأرنؤوط.
إلا أن الصحيح: أن الأرحام قسمان؛ فمنهم المحارم، وتجب صلتهم، وتحرم قطيعتهم، ومنهم غير المحارم، وتستحب صلتهم، وتكره قطيعتهم، وهو ما أوضحناه في الفتوى رقم: 11449، والفتوى رقم:123691.
وحيث إن الشرع واللغة لم يأتيا بتحديد الصلة الواجبة والقطيعة المحرمة، فالمرجع في تحديدهما هو العرف الجاري بين الناس، قال الشيخ محمد الصالح العثيمين -رحمه الله-: "وصلة الأقارب بما جرى به العرف واتّبعه الناس؛ لأنه لم يبيّن في الكتاب ولا السنة نوعها، ولا جنسها، ولا مقدارها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقيده بشيء معين، بل أطلق؛ ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة." انتهى.
فكل ما تحصل به الصلة وينتفي به وصف القطيعة عرفًا، تتحقق به الصلة الواجبة، وتنتفي القطيعة المحرمة شرعًا. وللمزيد تنظر الفتوى رقم:245188.
وبناء عليه؛ يتضح للسائل إن كانت أوجه الصلة التي ذكرها في السؤال محققة للصلة الواجبة أم لا، والغالب في أعراف الناس تحقق الصلة الواجبة بهذا المقدار من الصلة، علمًا بأن إساءة ذي الرحم لا تسقط وجوب صلته، ولا تبيح مقاطعته، وإنما تسقط من الوجوب أوجه الصلة التي تسبب ضررا للواصل، جمعًا بين أدلة وجوب الصلة وقاعدة لا ضرر، وهو ما أوضحناه في الفتوى رقم:228394. والأولى من ذلك: العفو عن ذي الرحم إذا أساء، والصبر على أذاه تعظيمًا لمقام الرحم عند الله، وتنظر الفتوى رقم: 13685.
ولا فرق في وجوب صلة الأرحام وأحكامها بين الرجال والنساء، فكما يجب على الأخ صلة أخواته يجب عليهن صلته، لاستوائهما في أصل التكاليف الشرعية، وعدم ورود مخصص، قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ.» رواه أحمد, وحسنه الألباني.
والله أعلم.