الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدخول الجنة سهل على من أراد الله له ذلك ويسره لفعل الخير، وقبل منه، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن بعض الأعمال اليسيرة تكون أحيانا سببا في دخول الجنة، كما في حديث بغي بني إسرائيل التي سقت كلبا فغفر لها، جاء في الحديث الصحيح: بينما كلب يطيف بركية، كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته فغفر لها به. متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وجاء في سنن الترمذي، وصححه الألباني، عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: تتجافى جنوبهم عن المضاجع ـ حتى بلغ: يعملون ـ ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه! قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله! قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
وينبغي التنبه إلى أن جميع الأعمال التي وردت النصوص بأنها تدخل الجنة سواء منها ما تقدم في الحديثين السابقين أو غير ذلك ليست وحدها كافية لدخول الجنة، ولا يستحق صاحبها بمجرد عملها الجنة ما لم ينضم إلى ذلك تفضل من الله ورحمة وإحسان، قال عليه الصلاة والسلام: لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة وفضل. رواه أحمد وغيره.
وفيما يخص سؤالك الثاني: فإن على المسلم أن يجتهد ويقتدي بالأنبياء والمرسلين والصحابة وخيار الأمة كي ينال الدرجات العلى في الجنة، لكن ليكن في علمه أنه مهما بلغ من العمل الصالح فلن يساوي أحداً من الصحابة فأحرى الأنبياء، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
وراجع بهذا الخصوص الفتوى رقم: 61088، ففيها مزيد تفصيل.
وللمزيد من الفائدة راجع أيضا الفتاوى التالية أرقامها: 12325، 19568، 47756.
والله أعلم.