الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {البقرة: 271}.
وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وذكر منهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
وبهذا استدل كثير من العلماء على تفضيل صدقة السر على الصدقة العلانية، وذكروا أن إخفاءها أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأقل إحراجا للفقراء، لكن بعض العلماء قد حمل ذلك التفضيل على الغالب، وفي غير الغالب قد تكون صدقة العلانية أفضل، قال ابن العربي في أحكام القرآن: فأما صدقة النفل: فالقرآن صرح بأنها أفضل منها في الجهر بيد أن علماءنا قالوا: إن هذا على الغالب مخرجه، والتحقيق فيه أن الحال في الصدقة تختلف باختلاف المعطي لها والمعطى إياها، والناس والشاهدين لها، أما المعطي: فله فائدة إظهار السنة وثواب القدوة، وآفتها الريا والمن والأذى، وأما المعطى إياها: فإن السر أسلم له من احتقار الناس له أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف، وأما حال الناس: فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم من جملة أنهم ربما طعنوا على المعطي لها بالرياء، وعلى الآخذ لها بالاستغناء، ولهم فيها تحريك القلوب إلى الصدقة، لكن هذا اليوم قليل. انتهى.
وقال الإمام ابن كثير في تفسيره: فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة ـ والأصل أن الإسرار أفضل لهذه الآية. انتهى.
وبما ذكره العلامة ابن العربي وابن كثير يتبين لك أن ما قصدته من المقاصد الحسنة في إظهارك للصدقة قد يجعل إظهارها أفضل من إخفائها مع الحرص على سد مداخل الشيطان والحذر من الرياء والعجب وغير ذلك مما يحبط الأجر أو ينقصه.
والله أعلم.