الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على معركة بعينها جاهد فيها أبو هريرة- رضي الله عنه- وإن كان هذا لا يمنع أن يكون قد جاهد، فقد روى أحمد والدارمي وغيرهما عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة قال: ما شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغنما إلا قسم لي إلا يوم خيبر؛ فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة. وكان أبو موسى وأبو هريرة جاءا بين الحديبية وخيبر.
وقد أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد. وفيه علي بن يزيد، وهو سيئ الحفظ ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد: إسناده ضعيف.
وفي البداية والنهاية لابن كثير: قال أبو هريرة: نعم! قدمت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر سنة سبع، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة، سنوات، وأقمت معه حتى توفي، أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه، وأنا والله يومئذ مقل، وأصلي خلفه، وأحج، وأغزو معه، فكنت والله أعلم الناس بحديثه.." إلخ.
والشاهد من هذا قوله رضي الله عنه "وأغزو معه"
وعموما فأبواب الخير والبر كثيرة متنوعة، والصحابة- رضوان الله عليهم- متباينون في ذلك، فمنهم من برز في مجال الجهاد، ومنهم من برع في باب العلم والفتيا، ومنهم من سبق في جانب الجود والإنفاق، ومنهم من ضرب بسهم في كل هذه الوجوه وغيرها. وهذا التباين مما اقتضته حكمة الباري جل وعلا في تنوع طبائع البشر في المواهب، والاستعدادات والأحوال، فكل ميسر لما خلق له.
يقول ابن القيم رحمه الله: ما يقع في كلام بعض العلماء أن الطريق إلى الله متعددة، متنوعة، جعلها الله كذلك؛ لتنوع الاستعدادات، واختلافها رحمة منه وفضلا ، فهو صحيح، لا ينافي ما ذكرناه من وحدة الطريق، وإيضاحه أن الطريق هي واحدة، جامعة لكل ما يرضي الله، وما يرضيه متعدد متنوع، فجميع ما يرضيه طريق واحد، ومراضيه متعددة، متنوعة بحسب الأزمان، والأماكن، والأشخاص، والأحوال، وكلها طرق مرضاته، فهذه التي جعلها الله لرحمته، وحكمته كثيرة متنوعة جدا؛ لاختلاف استعدادات العباد وقوابلهم، ولو جعلها نوعا واحدا مع اختلاف الأذهان، والعقول، وقوة الاستعدادات، وضعفها لم يسلكها إلا واحد بعد واحد، ولكن لما اختلفت الاستعدادات، تنوعت الطرق ليسلك كل امرئ إلى ربه طريقا يقتضيها استعداده وقوته، وقبوله. طريق الهجرتين.
ولا شك أن هذا التنوع بين السالكين إلى ربهم، لا يقتضي الشقاق والنزاع وإنما يقتضي التعاون والتكامل.
والله أعلم.