الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزيادة رأس المال في الشركة لا حرج فيه، وأما تحديد مدتها بثلاث سنوات أو غيرها فهو موضع خلاف بين العلماء ينبني على القول بلزوم عقد الشركة أو عدم لزومه وأنه يحق لكل شريك فسخه متى شاء، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 48733.
وأما مسألة الغرامة المالية التي تشترط للتأخر في دفع المشاركة أو عند الانسحاب قبل مضي المدة، أو دفع مبلغ لدخول الشركة يدفع ذلك للشركاء، فيُشكل عليه ما ذكره أهل العلم من المنع من اختصاص الشريك أو الشركاء بشيء خارج عن النصيب المشاع من النماء تحت مسميات مختلفة، وأن ذلك ضرب من ضروب الغرر والمقامرة التي نهى عنها الشرع, واعتبار ذلك بمثابة اشتراط ربح معين ودراهم معلومة في الشركة، قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى: وذلك لأن المشاركة والمعاملة تقتضي العدل من الجانبين فيشتركان في المغنم والمغرم بعد أن يسترجع كل منهما أصل ماله، فإذا اشترط لأحدهما زرع معين كان فيه تخصيصه بذلك وقد لا يسلم غيره فيكون ظلما لأحد الشريكين وهو من الغرر والقمار أيضا، ففي معنى ذلك ما قاله العلماء وما أعلم فيه مخالفا: أنه لا يجوز أن يشترط لأحدهما ثمرة شجرة بعينها ولا مقدارا محدودا من الثمر، وكذلك لا يشترط لأحدهما زرع مكان معين ولا مقدارا محدودا من نماء الزرع، وكذلك لا يشترط لأحدهما ربح سلعة بعينها ولا مقدارا محدودا من الربح، فأما اشتراط عود مثل رأس المال فهو مثل اشتراط عود الشجر والأرض وفي اشتراط عود مثل البذر كلام ذكرته في غير هذا الموضع، فإذا كان هذا في تخصيص أحدهما بمعين أو مقدار من النماء حتى يكون مشاعا بينهما، فتخصيص أحدهما بما ليس من النماء أولى: مثل أن يشترط أحدهما على الآخر أن يزرع له أرضا أخرى أو يبضعه بضاعة يختص ربها بربحها، أو يسقي له شجرة أخرى ونحو ذلك مما قد يفعله كثير من الناس، فإن العامل لحاجته قد يشترط عليه المالك نفعه في قالب آخر فيضاربه ويبضعه بضاعة أو يعامله على شجر وأرض ويستعمله في أرض أخرى أو في إعانة ماشية له أو يشترط استعارة دوابه أو غير ذلك، فإن هذا لا يجوز شرطه بلا نزاع أعلمه بين العلماء، فإنه في معنى اشتراط بمعين أو بقدر من الربح، لأنه إذا اشترط منفعته أو منفعة ماله اختص أحدهما باستيفاء هذه المنفعة وقد لا يحصل نماء أو يحصل دون ما ظنه فيكون الآخر قد أخذ منفعته بالباطل وقامره وراباه، فإن فيه ربا وميسرا، فإن تواطآ على ذلك قبل العقد فهو كالشرط في العقد على ما قررناه في كتاب بطلان التحليل: إن الشرط المتقدم على العقد كالمقارن له، فإن تبرع أحدهما بهدية إلى الآخر مثل أن يهدي العامل في المضاربة إلى المالك شيئا أو يهدي الفلاح غنما أو دجاجا أو غير ذلك، فهذا بمنزلة إهداء المقترض من المقرض يخير المالك فيها بين الرد وبين القبول والمكافأة عليها بالمثل وبين أن يحسبها له من نصيبه من الربح إذا تقاسما كما يحسبه من أصل القرض، وهذا ينازعنا فيه بعض الناس ويقول: متبرع بالإهداء، وليس كذلك، بل إنما أهداه لأجل المعاملة التي بينهما من القرض والمعاوضة ونحو ذلك؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العامل الأزدي ابن اللتبية لما قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا ـ وثبت عن عدد من الصحابة كعبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلام وعبد الله بن عباس وأنس وغيرهم: أنهم أمروا المقرض الذي قبل الهدية أن يحسبها من قرضه، وهذا ظاهر في الاعتبار، فإنه إذا قبل الهدية قبل الاستيفاء فقد وهكذا الأمر في المشاركة، فإنه إذا قبل هدية العامل ونفعه الذي إنما بذله لأجل المضاربة والمزارعة بلا عوض مع اشتراطه النصيب من الربح، كان هذا القبول على هذا القول معاقدة على أن يأخذ مع النصيب الشائع شيئا غيره، بمنزلة زرع مكان معين، وقد لا يحصل ربح فيكون العامل مقهورا مظلوما، ولهذا يطلب العامل بدل هديته ويحتسب بها على المالك، فإن لم يعوضه عنها وإلا خانه في المال: أصله وربحه، كما يجري مثل ذلك بين المزارع والفلاح، فإن الفلاح يخونه ويظلمه لما يزعم أن المزارع يختص به من ماله ونحوه: كأخذ الهدايا، وأكله هو ودوابه من ماله مدة بغير حق فيقرض السنبل قبل الحصاد ويترك الحب في القصب والتبن وفي عفارة البيدر ويسرق منه ويحتال على السرقة بكل وجه، والمزارع يظلمه في بدنه بالضرب والاستخدام وفي ماله بالاستنفاق الذي لا يستحقه ويرى أن هذا بإزاء ما اختانه من ماله، وكذلك يجري بين مالك المال والعامل: العامل يرى أنه يأخذ نفعه وماله، فإنه لا بد له من هدايا ومن بضائع معه يتجر له فيها فيخصه بالربح لأجل المضاربة فيريد أن يعتاض عن نفعه وماله فيخون في المال والربح ويكذب ويكتم، والمالك يرى أن العامل يخون في المال والربح ويخرج من ماله بالإنفاق على مال له آخر أو بالإهداء إلى أصدقائه ونحو ذلك مما ليس نفعه لأجل المضاربة فيطالبه بالهدايا ونحو ذلك، حتى إن من العمال من لا يهدي إلا لعلمه بأن المالك يطلب ذلك ويؤثره فيتقي بذلك شره وظلمه، وتفضي هذه المعاملات إلى المخاصمة والعداوة والظلم في النفوس والأعراض والأموال، وسبب ذلك اختصاص أحدهما بشيء خارج عن النصيب المشاع من النماء، فإن هذا خروج عن العدل الواجب في المشاركات، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أفلا قعد في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه أم لا؟ يتناول هذه المعاني جميعها، فإن الهدية إذا كانت لأجل سبب من الأسباب كانت مقبوضة بحكم ذلك السبب كسائر المقبوض به، فإن العقد العرفي كالعقد اللفظي، ومن أهدي له لأجل قرض أو إقراض كانت الهدية كالمال المقبوض بعقد القرض والقراض إذا لم يحصل عنها مكافأة، وهذا أصل عظيم يدخل بسبب إهماله من الظلم والفساد شيء عظيم، فصل: وكما قلنا في المقبوض: إنه قبل الوفاء ليس له أن يأخذ منه مالا ولا نفعا قبل الوفاء بغير عوض مثله، لما فيه من الربا، فالإهداء والإعارة من هذا النوع فكذلك في المضاربة والمزارعة، متى أخذ رب المال مالا أو نفعا قبل الاقتسام التام لم يجز إلا بعوض مثله: مثل استخدام العامل والفلاح في غير موجب عقد المشاركة أو الانتفاع بماله أو غير ذلك؛ إلا أن يحتسب له ذلك كله. والله سبحانه أعلم.. انتهى من مجموع الفتاوى بتصرف يسير.
وعليه؛ فالظاهر لنا منع هذه الشروط المذكورة.
والله أعلم.