الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.
ومعناه -كما قال العلماء- أن المسلم إذا هجر أخاه المسلم فوق ثلاث لحظ من حظوظ الدنيا ومات مصرا على ذلك قبل أن يتوب منه فهو من عصاة الموحدين المصلين الذين يستحقون العقوبة بالنار حسب معصيتهم، وهو في مشيئة الله تعالى إن شاء عامله بما أوعد به، وإن شاء تفضل عليه بالمغفرة، قال الملا قاري: فَمِنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ ـ ظَاهِرُهُ وَلَوْ سَاعَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا فَوْقَ الثَّلَاثِ الْأَرْبَعَ، لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ زِيَادَةُ عَدَدِ الْمَعْدُودِ فَتَأَمَّلْ: فَمَاتَ ـ أَيْ: عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ: دَخَلَ النَّارَ ـ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيِ اسْتَوْجَبَ دُخُولَ النَّارِ، فَالْوَاقِعُ فِي الْإِثْمِ كَالْوَاقِعِ فِي الْعُقُوبَةِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.
وقال ابن علان: فمن هجر فوق ثلاث فمات ـ مصرا على الهجر والقطيعة: دخل النار ـ إن شاء الله تعذيبه مع عصاة الموحدين، أو دخل النار خالدا مؤبدا إن استحل ذلك مع علمه بحرمته والإجماع عليها.
وجاء في شرح سنن أبي داود للبدر: وفي الحديث: أن من هجر فوق ثلاث ـ أي: لحظّ الدنيا ـ فمات دخل النار، أي: إذا مات من غير توبة، ومعلوم أن دخول النار إذا حصل لصاحب المعصية ليس دخولاً يترتب عليه خلود، وإنما هو دخول مؤقت يخرج منه بعدما يعاقب على ما اقترفه من الذنب، وهذا إن لم يشأ الله عز وجل العفو عنه، وإن عفا عنه فإنه لا يدخل النار ولكن من استحق النار لذنب اقترفه ولم يتجاوز الله عنه فإنه إذا دخلها لا بد وأن يخرج منها، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها، والذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها.
ومما ذكر يتبين لك أن الحديث المشار إليه يدخل في عمومه كل من هجر أخاه فوق ثلاث ولو كان محافظا على الصلاة.
والله أعلم.