الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالقول الذي يردده المؤذن المشار إليه عقب الصلاة منه ما هو مشروع وهو قول: اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ـ فقد روى أبو داود في سننه من حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
وأما زيادة: ولا تجعلنا يا مولانا... إلخ ـ فهذه لم ترد في الشرع فيما نعلم في جملة الأذكار التي تقال عقب الصلاة, فليس من السنة قولها, والمداومة عليها وكأنها سنة ورد بها الشرع تدخلها في حيز البدعة التي يسميها العلماء بالبدعة الإضافية، وتجعلها في مرتبة ما ورد وتلبس على الناس فيظنونها من الأذكار الواردة في الشرع, وكثير من البدع نشأت من مثل هذا حتى صارت عند الناس سنة يُنكر على من تركها مع أنها في الأصل لم يرد بها الدليل.
وأما قول الإمام المشار إليه بأن من لا يفهمون الدين يحرمون ما أحل الله: إن كان يعني أن القول ببدعية ذلك اللفظ هو من تحريم ما أحل الله فقد أخطأ, ومن فهم مقاصد الشرع في الحفاظ على الدين أدرك أن الشريعة توصد الأبواب أمام البدعة والمحدثات حتى لا يتغير الدين ويتبدل ولا يُعبد الله تعالى بما لم يشرع, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبة الحاجة المعروفة ويقول فيها: شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل ضلالة في النار ـ ويكرر هذا على مسامع الصحابة في الخطب والمناسبات, كل ذلك تحذيرا من البدع وبيان خطرها على تبدل الشريعة بالزيادة أو النقصان, وقوله أيضا إن الذكر بتكرار لفظ الجلالة: الله ـ ليس بدعة، هذا خطأ، إذ أن الذكر بذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ولو كان خيرا لسبقونا إليه، والتعبد بتكرار اسم الله مفردًا هو من البدع المحدثة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: الشَّرْع لَمْ يَسْتَحِب مِنْ الذِّكْرِ إلَّا مَا كَانَ كَلَامًا تَامًّا مُفِيدًا مِثْلَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَمِثْلَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَمِثْلَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَمِثْلَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.. فَأَمَّا الِاسْمُ الْمُفْرَدُ مُظْهَرًا مِثْلَ: اللَّهُ، اللَّهُ، أَوْ مُضْمَرًا مِثْلَ: هُوَ، هُوَ ـ فَهَذَا لَيْسَ بِمَشْرُوعِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا هُوَ مَأْثُورٌ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَلَا عَنْ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ، وَإِنَّمَا لَهِجَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ ضُلَّالِ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ.
وأما ماذا عليك أن تفعل: فجوابه إذا كان عندك من العلم ما يؤهلك لنصح ذلك الإمام وبيان خطئه ورد ما يورده من شبهات فبادر بنصحه؛ وإلا فحسبك أن تأتم به مع الدعاء له بالهداية، وإن أمكن استبداله بإمام غيره خال من تلك المحدثات، فهذا أولى، فإن تعذر وأمكنك أن تصلي في مسجد آخر فهو أولى، وانظر الفتوى رقم: 189297، عن البدعة: تعريفها، أنواعها، مراتبها، حكمها, ومثلها الفتوى رقم: 169477.
وانظر الفتوى رقم: 76724، عن الصلاة خلف إمام متلبس ببدعة.
والله أعلم.