الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيندب للمسلم أن يدعو للنبي -صلى الله عليه وسلم- بما لا يُشعر بالنقص في حقه صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- في العمرة فأذن لي، وقال: لا تنسنا يا أخي من دعائك، فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا. وفي بعض الألفاظ: أي أخي أشركنا في دعائك ولا تنسنا.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فإنه من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت له شفاعتي. وهكذا الدعاء له والثناء عليه بما هو حسن.
وأما الدعاء له بما يشعر بالنقص فلا يجوز، ولذا اختلف العلماء في جواز الدعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة، قال الإمام النووي في شرح مسلم نقلاً عن القاضي عياض: وَاخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالرَّحْمَةِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ -وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ- إِلَى أَنَّهُ يُقَالُ، وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَحُجَّةُ الْأَكْثَرِينَ تَعْلِيمُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الرَّحْمَةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ الرَّحْمَةَ. اهـ.
وفي حاشية قليوبي وعميرة فائدة قيل: يحرم الدعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة، وفارقت الصلاة وإن كانت بمعناها بأن في لفظ الصلاة إشعارًا بالتعظيم، وفي لفظ الرحمة إشعارًا بالذنب. اهـ.
والصحيح جواز الدعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة والمغفرة أيضًا، لما رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي: لقد حجرت واسعاً. يريد رحمة الله.
قال الحافظ في الفتح: وأخرج ابن ماجه وصححه ابن حبان من وجه آخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: دخل الأعرابي المسجد فقال: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحدٍ معنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد احتظرت واسعاً، ثم تنحى الأعرابي فبال في ناحية المسجد.. الحديث. اهـ.
ووجه الشاهد في الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنكر عليه تخصيصه الرحمة بهما لا أصل الدعاء له بهما، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاء له بأن يصلي الله عليه، أي يثني عليه في الملأ الأعلى، وتكون في التشهد في الصلاة، وتكون في غير الصلاة، وهي التي ينبغي للمسلم أن يكثر منها؛ لأن الله تعالى أمرنا بها فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
وقال صلى الله عليه وسلم: ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيهم فيه، إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم. رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه النووي، وقال عنه الترمذي: حسن صحيح. والترة: الحسرة والندامة.
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه من صلَّى عليَّ صلاة، صلَّى الله عليه بها عشرًا.
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضيلة الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والله أعلم.