الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فترك البيت ليس طريقًا مشروعًا لحل الخلافات، ومعالجة سوء خلق الزوجة، وإنما المشروع إذا ظهرت علامات النشوز من زوجتك، أن تبدأ بالوعظ، فإن لم يفد، فالهجر في المضطجع، فإن لم يفد، فالضرب غير المبرح، فإن وصل الأمر إلى الشقاق بينكما، فحكم من أهلك، وحكم من أهلها؛ ليصلحوا بينكما ما أمكن الصلح، وإلا فالطلاق آخر الحلول.
وإذا كنت ترغب في الزواج بأخرى، فلا مانع من ذلك، إذا كنت قادرًا، بشرط أن تعدل بينهما.
وبخصوص الاستخارة، فاعلم أنّ العلماء اختلفوا فيما يعتمده العبد بعد الاستخارة، هل هو انشراح الصدر وتيسّر الأمر، أم أنه يمضي في الأمر، ولا يتركه، إلا أن يصرفه الله عنه؟ والراجح عندنا أن الإنسان يمضي في الأمر بعد الاستخارة، ولا يترك الأمر الذي استخار فيه إلا أن يصرفه الله عنه؛ وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 123457
واعلم أن حصول المودة، والتفاهم بين الزوجين، يحتاج إلى الصبر، وإلى التجاوز عن بعض الأخطاء، والتغاضي عن الزلات والهفوات، والنظر إلى الجوانب الطيبة في أخلاق الطرف الآخر؛ قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء: 19} وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ. رواه مسلم.
قال النووي - رحمه الله -: أَيْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ، وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ، لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ، أَوْ جَمِيلَةٌ، أَوْ عَفِيفَةٌ، أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
وننبهك إلى أنّ الطلاق ليس بالأمر الهين، فينبغي ألا يصار إليه إلا عند تعذر جميع وسائل الإصلاح.
وإذا استطاع الزوجان الإصلاح والمعاشرة بالمعروف، ولو مع التغاضي عن بعض الهفوات، والتنازل عن بعض الحقوق، كان ذلك أولى من الفراق، ولا سيما عند وجود أولاد، كما أنّ في الصبر على بعض الأخلاق السيئة في الزوجة، أجرًا كبيرًا.
قال الغزالي - رحمه الله -: والصبر على لسان النساء، مما يمتحن به الأولياء.
والله أعلم.