الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائل لم يوضح لنا ماهية هذه الألعاب حتى نعرف هل يحصل بها الكفر أم لا؟
ولكن من قال أو عمل ما هو كفر - وكان عاقلا مختارا قاصدا لما يقول أو يفعل - فإنه يكفر ولو لم يقصد الكفر. فقد قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في الصارم المسلول: وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْر كَفَر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ـ وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامدًا لها، عالمًا بأنها كلمة كفر فإنه يكفر بذلك ظاهرًا وباطنًا، ولا يجوز أن يقال إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمنًا. ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام، قال الله سبحانه: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[النحل:106]. ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط؛ لأن ذلك لا يكره الرجل عليه، وهو قد استثنى من أكره، ولم يرد من قال واعتقد؛ لأنه استثنى المكره، وهو لا يكره على العقد والقول، وإنما يكره على القول فقط، فعُلم أنه أراد: من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، وأنه كافر بذلك، إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرًا من المكرهين فإنه كافر أيضًا، فصار كل من تكلم بالكفر كافرًا، إلا من أُكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وقال تعالى في حق المستهزئين: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة:66] فبين أنهم كفار بالقول، مع أنهم لم يعتقدوا صحته، وهذا باب واسع، والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه استهانة واستخفاف. انتهى من الصارم المسلول.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: قد تقدم أن الذي قال لما وجد راحلته:" اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح لم يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر؛ لكونه لم يُردْه. والمكره على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته، بخلاف المستهزئ والهازل فإنه يلزمه الطلاق والكفر، وإن كان هازلا؛ لأنه قاصد للتكلم باللفظ، وهزله لا يكون عذرا له بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور مأمور بما يقوله، أو مأذون له فيه، والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود، فهو متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل، والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا، بل صاحبه أحق بالعقوبة، ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، ولم يعذر الهازل بل قال: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. وكذلك رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي. انتهـى.
وفي (البحر الرائق) لابن نجيم الحنفي عن (الجامع الصغير): إذا أطلق الرجل كلمة الكفر عمدا لكنه لم يعتقد الكفر، قال بعض أصحابنا: لا يكفر؛ لأن الكفر يتعلق بالضمير ولم يعقد الضمير على الكفر. وقال بعضهم: يكفر. وهو الصحيح عندي؛ لأنه استخف بدينه. انتهـى
قال: والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به قاضي خان في فتاواه. ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عالما عامدا كفر عند الكل. انتهـى.
وأما كلمة هرقل فهي اسم لملك الروم الذي عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكفر الشخص بمجرد ذكر اسم هرقل، وقد ثبت في صحيح البخاري عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كتب إلى هِرَقل ملك الروم كتابا جاء فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. ويَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ اهـ
والله أعلم.