الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الطلاق الكراهة على أصح قولي أهل العلم في ذلك ، لما فيه من تفويت مصالح النكاح ، ما لم يكن هناك حاجة إليه ، قال البهوتي في الكشاف على الإقناع ممزوجين : (وَيُكْرَهُ) الطَّلَاقُ (مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ . اهـ .
والحاجة في الغريزة الجنسية ليست في حد الإشباع، فهذا أمر نسبي جدا، وقد لا يحصل مع غيرها، وقد لا يحصل إلا بالتعدد، وقد تكون العلة في الرجل وهو لا يدري ، وإنما الحاجة في حد الكفاية الذي أشار إليه النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله في الصحيحين من حديث ابن مسعود : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فإذا أحصن الرجل بنكاح هذه المرأة فرجه، وغض بها بصره عن الحرام، فقد حصل بها تحصين الدين والعفاف ، فلا ينبغي له طلاقها والحالة هذه؛ لعدم فوات مصالح النكاح الشرعية، ولانتفاء المفسدة باستبقائها.
قال الموفق في المغني عن مصالح النكاح : فإنه يشتمل على تحصين الدين، وإحرازه، وتحصين المرأة وحفظها، والقيام بها، وإيجاد النسل، وتكثير الأمة.
لا سيما إذا كانت ذات دين وخلق وجمال، فهذه الصفات كفيلة بتحصيل مزيد من الإمتاع ، قال تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}. فإنه قلّ أن تجتمع الخصال المرغوبة في امرأة واحدة، فإذا حصل المقصود فالقناعة كنز لا يفنى.
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: والعاقل من يقتصر على الواحدة، إذا وافقت غرضه، ولا بد أن يكون فيها شيء لا يوافق؛ إنما العمل على الغالب، فتوهب الخلة الردية للجيدة. اهـ
وسواء كان الطلاق جائزا أو مكروها فإنه ليس فيه ظلم للمرأة ما دام الزوج قد أدى إليها حقوقها كاملة من الصداق والنفقة وغير ذلك.
ولأن الطلاق حق خالص للرجل كما قال النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني ، والظلم إنما هو منع صاحب الحق من حقه. وانظر للمزيد في انتفاء الظلم عن الطلاق في هذه الحالة في الفتوى : 191515.
والله أعلم.