الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء إن قولك: إن الأمر يأتي للاستحباب ـ إن كنت تعني به أن الأصل في الأمر أنه للاستحباب، فهذا خلاف ما عليه جماهير أهل العلم القائلين إنه للوجوب، كما قال النووي في المجموع: الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. اهـ.
وقد بينا هذا بشيء من التفصيل في الفتويين رقم: 66156, ورقم: 103184.
وكذا ذهب الجمهور إلى أن الأصل في النهي أنه للتحريم لا للكراهة, جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ... وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ـ وَلأِنَّ الصَّحَابَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ رَجَعُوا فِي التَّحْرِيمِ إِلَى مُجَرَّدِ النَّهْيِ. اهـ.
ولا إشكال في كون النهي عن شيء قد يُحمل على الكراهة لا للتحريم، وذلك لقرينة تدل على أنه للكراهة وليس للتحريم ومثال ذلك قول أم عطية رضي الله عنها: نُهِينَا أَنْ نَتَّبِعَ الْجَنَائِزَ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. متفق عليه.
والمعنى كما قال الحافظ: لَمْ يُؤَكِّد عَلَيْنَا فِي الْمَنْع كَمَا أَكَّدَ عَلَيْنَا فِي غَيْره مِنْ الْمَنْهِيَّات، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ: كَرِهَ لَنَا اِتِّبَاع الْجَنَائِز مِنْ غَيْر تَحْرِيم. اهـ.
وقال النووي: مَعْنَاهُ: نَهَانَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ نَهْي كَرَاهَة تَنْزِيه، لَا نَهْي عَزِيمَة تَحْرِيم. اهـ.
ومنه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ {المائدة:101}.
فقوله: لاتسألوا ـ هنا، قال العلماء: إنه للكراهة وليس للتحريم ولو أخذناه على ظاهره هكذا لكان دالا على التحريم وليس على الإباحة، ولكنه صرف عن التحريم إلى الكراهة بسبب القرينة الصارفة، وهذه القرينة الصارفة وردت في آخر الآية لقوله تعالى: وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور رحيم.. فكأنه صار هنا في المقال نوع من التخيير لا تسألوا وإن تسألوا سيظهر لكم حكمها، فلو كان النهي هنا نهيا جازما بالتحريم لما ورد بعد ذلك احتمال تعريف السؤال عنها.
وانظر للفائدة هاتين الفتويين: 222928، 56915.
والله أعلم.