الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ـ فنوصيكم أولًا بتقوى الله عز وجل، وصلة الرحم بينكم، وألا تؤدي الخلافات على دنيا فانية إلى قطيعة الرحم.
وكان الواجب عليكم عند الخلاف على النفقة أن تستفتوا أهل العلم، والفقهاء الأربعة متفقون على أن العامل ليس له نفقة حضرًا، وأنه أمين على مال المضاربة، فلا يحل له منها شيء إلا بإذن رب المال - شريك رأس المال - أو اشتراط من العامل، أو جريان العرف بذلك؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، قال أبو محمد في المحلّى شرح المجلّى: مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَالِ شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَلْبَسَ مِنْهُ شَيْئًا، لَا فِي سَفَرٍ، وَلَا فِي حَضَرٍ ... وَقَوْلُنَا هَهُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: أَمَّا فِي الْحَضَرِ فَكَمَا قُلْنَا ... فَإِنْ قَالُوا هُوَ سَاعٍ فِي مَصْلَحَةِ الْمَالِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَإِنَّمَا هُوَ سَاعٍ لِرِبْحٍ يَرْجُوهُ، فَإِنَّمَا يَسْعَى فِي حَظِّ نَفْسِهِ.
وبناء عليه، فما أخذتموه من نفقة بغير إذن صاحب المال يكون دينًا عليكم لرب المال، قال ابن سيرين: ما أكل المضارب فهو دين عليه. رواه عبد الرزاق في المصنف.
وإذا طلب شريك رأس المال - المالك - رأس ماله، فهذا معناه أن يريد فسخ للمضاربة، وله ذلك، فالمضاربة عقد جائز غير لازم، قال الموفق في المغني: والمضاربة من العقود الجائزة ، تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان. وهو ما بيناه تفصيلًا في الفتاوى: 48733، 62990، 80716.
وعند فسخ الشركة لا بد من تصفية الحسابات: وذلك بالتنضيض الحقيقي، أو الحكمي لمحتوياتها، أي تحويل موجوداتها إلى نقود، أو تقييمها بالنقود، وحيث إنكم اخترتم عدم التنضيض الحقيقي، فلا بد من الحكمي، وهو أن تقوِّم جهة مختصة قيمة الشركة تقويمًا عادلًا، وبعد خصم المصروفات من الإيرادات تضاف القيمة العادلة للشركة - من خلال التنضيض الحكمي - إلى باقي الإيرادات، وهذا الناتج على أساسه نعرف أن الشركة خسرت أم ربحت كالتالي:
1ـ إن كان هذا الناتج أكبر من رأس مال الشركة (180.000): فهذا يعني أن الشركة قد ربحت، وحيث إن المالك قد استلم رأس ماله، فيكون الباقي هو صافي الأرباح، تقتسمونه بينكم مع المالك حسب الاتفاق المبرم، اللهم إلا تكونوا عند فض الشركة قد تصالحتم مع المالك على أنه ليس له من الشركة شيء إلا رأس المال الذي أخذه، فيكون تنازلًا منه عن بعض حقه.
2ـ وإن كان الناتج أقل من رأس مال الشركة (180.000): فهذا يعني أن الشركة قد خسرت، والناقص هو قدر الخسارة، يتحمله رب المال وحده، فليس للمالك من المضاربة إلا هذا الناتج، ليس له أن يطالبكم بأكثر منه، وحيث إنكم أعطيتموه رأس المال كاملًا فلا بد أن يرد إليكم الفارق بين رأس المال وهذا الناتج، قال الشيخ منصور في الكشاف: (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ.
نعم إن كنتم تصالحتم معه عند فض الشركة على أن له ما أخذ، وتتحملون الخسارة، فهذا تبرع منكم.
3ـ إن استويا فلا ربح ولا خسارة: فليس لرب المال عندئذ إلا رأس ماله، وقد أخذه، ويخسر الثلاثة جهدهم؛ لأن الربح وقاية لرأس المال، وعندئذ ليس له أن يطالبكم بشيء من الأرباح؛ إذ لا أرباح هناك.
وبهذا التفصيل يتبين لكم حال الستين ألفًا - محل سؤالكم -.
والله أعلم.