الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يحفظك من كيد الشيطان وخطواته، فما ذكرت في السؤال يدل على أن لديك وسوسة في الخوف من الرياء فعالجيها بالإعراض الكلي عن الاسترسال مع الشيطان في هذا الأمر، واصرفي ذهنك عن الموضوع، واشتغلي بتعلم العلم الشرعي والدعوة إلى الله تعالى، ولا شك أن الشرع ينعي على من يأمر بالمعروف ولا يأتيه، أو ينهى عن المنكر ويأتيه... كما يدل له قول الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ {البقرة:44}.
وقوله تعالى حكاية عن نبيه شعيب عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {هود:88}.
وهذا ـ كما هو ظاهر ـ حض للمسلم على العمل بما يدعو إليه، وليس أمرا بترك الدعوة إلى الخير، فامضي في الدلالة على الخير ولا تتوقفي عن دعوة بنات جنسك ونصحهن وتذكيرهن بالله فترك ذلك من كيد الشيطان، فالمقرر عند أهل العلم أنه يجب على المرء أن يأمر بالمعروف وإن كان لا يأتيه, وينهى عن المنكر وإن كان يأتيه، لأن فعل المعروف والأمر به واجبان فترك أحدهما لا يسقط الآخر, قال سعيد بن جبير رحمه الله: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر.
قال مالك رحمه الله: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء؟.
وقيل للحسن: إن فلاناً لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول، ود الشيطان أنه ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
وكتب عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ إلى بعض نوابه على بعض الأمصار كتاباً يعظه فيه وقال في آخره: وإني لأعظك بهذا وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري، ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم نفسه إذاً لتواكل الخير، وإذاً لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذاً لاستحلت المحارم، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض.
وقال ابن كثير: ليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، كما قال شعيب، عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ {هود: 88} فَكُلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. هـ.
والله أعلم.