الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراجح عندنا أنه لا يجوز للزوج ترك جماع زوجته مدة طويلة بغير عذر، بل يجب عليه أن يعف زوجته بقدر طاقته وحاجتها, كما بيناه في الفتوى رقم: 132367.
وإذا ترك الزوج جماع زوجته بغير عذر مدة تتضرر فيها بترك الجماع فأرادت فراقه فهل لها التطليق للضرر؟ اختلف أهل العلم في ذلك، قال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد: وَأَمَّا لُحُوقُ حُكْمِ الْإِيلَاءِ لِلزَّوْجِ إِذَا تَرَكَ الْوَطْءَ بِغَيْرِ يَمِينٍ: فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بِغَيْرِ يَمِينٍ, وَمَالِكٌ يُلْزِمُهُ, وَذَلِكَ إِذَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِتَرْكِ الْوَطْءِ.
فعلى قول المالكية ترفع المرأة الأمر للقاضي لينظر في أمره, فإما أن يطلق عليه, أو يمهله مدة حسب اجتهاد القاضي، قال الدسوقي - رحمه الله - في حاشيته على الشرح الكبير: أَوْ تَرَكَ وَطْأَهَا ضَرَرًا مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ, أَوْ أَدَامَ الْعِبَادَةَ وَتَضَرَّرَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ, وَأَرَادَتْ الطَّلَاقَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَجْتَهِدُ فِي طَلَاقِهَا عَلَيْهِ, وَمَعْنَى الِاجْتِهَادِ فِي الطَّلَاقِ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَوْرًا بِدُونِ أَجَلٍ, أَوْ يَضْرِبَ لَهُ أَجَلًا, وَاجْتَهَدَ فِي قَدْرِهِ مِنْ كَوْنِهِ دُونَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ, أَوْ قَدْرِهِ, أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ, فَإِنْ عَلِمَ لَدَدَهُ وَإِضْرَارَهُ طَلَّقَ عَلَيْهِ فَوْرًا، وَإِلَّا أَمْهَلَهُ بِاجْتِهَادِهِ لَعَلَّهُ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْقَضَى أَجَلُ التَّلَوُّمِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ طُلِّقَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ هَذَا إذَا أَرَادَتْ الطَّلَاقَ, وَأَمَّا إنْ رَضِيَتْ بِالْإِقَامَةِ مَعَهُ بِلَا وَطْءٍ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ.
أما على قول الجمهور فليس للمرأة الطلاق للضرر بامتناع زوجها عن الوطء، لكن لها طلب الخلع بأن تسقط له بعض حقوقها ليطلقها، فإن أبى الزوج المخالعة فللقاضي أن يحكم بالخلع, كما رجحنا ذلك في الفتويين: 105875، 126259.
والله أعلم.