الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صحت عدة صيغ للتشهد، واتفق العلماء على جواز كل صيغة منها، واختلفوا في أفضلها، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم:
8103.
وذهب أكثر العلماء وعليه جرى العمل بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الخطاب: السلام عليك، وذهب طائفة من العلماء إلى جواز السلام عليه بلفظ الخطاب في حياته وبلفظ الخطاب والغائب بعد وفاته، لما في الصحيحين عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته... وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام على النبي.
قال
الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:
هذه الزيادة ظاهرها أنهم كانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي بكاف الخطاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات تركوا الخطاب، وذكروه بلفظ الغيبة، فصاروا يقولون: السلام على النبي. وقال في موضع آخر:
قال السبكي في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصحابة، دل على أن الخطاب في السلام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم غير واجب، فيقال: السلام على النبي، قلت - القائل الحافظ - : قد صح بلا ريب، وقد وجدت له متابعاً قوياً، قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي، وهذا إسناد صحيح. ا.هـ.
قال
الألباني: ويؤيده أن عائشة رضي الله عنها كذلك كانت تعلمهم التشهد في الصلاة: السلام على النبي رواه السراج في مسنده، والمخلص في الفوائد بسندين صحيحين عنها. وقال
الألباني أيضاً:
وقد نقل كلام الحافظ هذا جماعة من العلماء المحققين أمثال القسطلاني والزرقاني واللكنوي وغيرهم، فارتضوه، ولم يتعقبوه بشيء. وقال أيضاً:
والأمر عندي في هذا واسع، فبأي صيغة من الصيغ الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد المصلي فقد أصاب السنة، وإن كان تشهد ابن مسعود أصح رواية باتفاق العلماء لاتفاق الرواة على روايته بلفظ واحد دون زيادة حرف أو نقص، ومن ذلك تفصيله رضي الله عنه بين ما كان الصحابة يقولونه في حال حياته في السلام عليه بلفظ الخطاب وما كانوا يقولونه بعد وفاته بلفظ الغيبة بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم إياهم، ولذلك كانت السيدة عائشة تعلمهم التشهد بلفظ الغيبة كما تقدم. أ.هـ.
وأما جمهور أهل العلم، فتمسكوا بلفظ الخطاب الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ولم يفرقوا بين حياته وموته، ورأوا أن ما قاله
ابن مسعود اجتهاد منه، وعارضوه بحديث
عمر أنه علم الناس التشهد وهو على المنبر بلفظ الخطاب، وهذا يقتضي أنهم كانوا يقولونه بلفظ الخطاب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: إنه ليس من كلام
ابن مسعود، وإنما هو من كلام
الراوي عنه، وقالوا: إذا احتمل اللفظ لم تبق فيه دلالة.
والله أعلم.