الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن جامع في رمضان عمدا فعليه الكفارة، وأكثر أهل العلم على أنه يلزمه أيضا قضاء يوم بدل اليوم الذي أفسده بالجماع، وقال بعضهم بوجوب الكفارة فقط، وأدلة القولين ذكرها ابن عبد البر في الاستذكار حيث قال: ومن حُجَّةِ مَنْ لَمْ يَرَ مَعَ الْكَفَّارَةِ قَضَاءً أَنَّهُ لَيْسَ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا خَبَرِ عَائِشَةَ وَلَا فِي نَقْلِ الْحُفَّاظِ لَهُمَا ذِكْرُ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ رَأَى الْقَضَاءَ مَعَ الْكَفَّارَةِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَخَالَفَ الْحُفَّاظَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ حُمَيْدٍ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ ذِكْرَ الصَّوْمِ قَالَ فِيهِ كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَهِشَامُ بْنُ سعد لا يحتج به في حديث ابن شِهَابٍ، وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عُقُوبَةٌ لِلذَّنْبِ الَّذِي رَكِبَهُ وَالْقَضَاءَ بَدَلٌ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ فَكَمَا لَا يُسْقِطُ عَنِ الْمُفْسِدِ حَجَّهُ بِالْوَطْء الْبَدَلُ إِذَا أَهْدَى فَكَذَا قَضَاءُ الْيَوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.
وجاء فى فتح البارى لابن حجر أثناء الحديث عن الجماع في نهار رمضان: وقد اختلف الفقهاء في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة، قال مالك: عليه قضاء ذلك اليوم مع الكفارة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثوري، وأبي ثور، وأحمد، وإسحاق وقال الأوزاعي: إن كفر بالعتق أو الإطعام صام يوما مكان ذلك اليوم الذي أفطر، وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء ذلك اليوم، وقال الشافعي: يحتمل أن تكون الكفارة بدلا من الصيام، ويحتمل أن يكون الصيام مع الكفارة، وأحب إلي أن يكفر ويصوم، وحجة من أوجب صوم اليوم مع الكفارة أن الكفارة عقوبة للذنب الذى ركبه، والقضاء بدل من اليوم الذي أفسده، فكما لا يسقط عن المفسد حجه بالوطء إذا أهدى البدن، فكذلك قضاء اليوم، والله أعلم، واعتل من لم يَرَ مع الكفارة صيام اليوم بأنه ليس في حديث عائشة ولا خبر أبي هريرة في نقل الحفاظ ذكر القضاء، وإنما فيهما الكفارة فقط، فيقال له: قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: أن أعرابيا جاء ينتف شعره، وقال: يا رسول الله، وقعت على امرأتي في رمضان، فأمره رسول الله أن يقضى يومًا مكانه، وهو من مرسلات سعيد بن المسيب، وهي حجة عند الفقهاء، وكتاب الله يشهد بصحته، وهو قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ {البقرة: 185} ولا تبرأ الذمة إلا بيقين الأداء وهو قضاء اليوم مع الكفارة.
والله أعلم.