الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفطرة لا تكفي وحدها لهداية الناس، فالشريعة مكملة للفطرة ومفصلة للأحكام التي لا تستقل الفطرة بإثباتها، فمثل الفطرة مع الشريعة كمثل العين مع النور، فإن العين إذا غاب النور عنها لم تبصر شيئاً وكذلك الفطرة إذا غابت عنها الشريعة المنزلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالفطرة مكملة بالفطرة المنزلة، فإن الفطرة تعلم الأمر مجملاً والشريعة تفصله وتبينه، وتشهد بما لا تستقل الفطرة به. انتهى
ويقول أيضاً: فإن الله فطر عباده على الحق، والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها.
ومن وقع في الشرك أو الكفر فقد حاد عن الفطرة، إذ الفطرة لا تقبل ذلك بل تقبل التوحيد، وليس معنى الفطرة أن الخلق يكونون حين الولادة معتنقين الإسلام ملتزمين بأحكامه، وإنما هي كما يقول ابن تيمية : السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة. انتهى
فمن وقع في الشرك أو الكفر فقد فسدت فطرته لأن الفطرة يعرض لها من الشهوات والشبهات ما يحجب عنها الحق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: ومثل الفطرة مع الحق مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس. وكذلك أيضاً كل ذي حس سليم يحب الحلو إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مراً. ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالعقل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاَ، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلماً. وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع ..هي فطرة الله التي فطر الناس عليها. انتهى
والله أعلم.