الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاختلف العلماء هل يبرأ المضمون عنه بمجرد الضمان أم بأداء الضامن؟
والذي عليه الأكثر أنه لا يبرأ المضمون عنه إلا بأداء الضامن لا بمجرد الضمان، واستدلوا بحديث جابر قال: توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا تُصلي عليه، فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف. فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران عليِّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت قال: نعم، فصلىّ عليه ثم قال: بعد ذلك بيوم ما فعل الديناران؟ قال: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد فقال: قد قضيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
فقوله "بردت عليه جلده" فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة. ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه لا بمجرد التحمل بالدين بلفظ الضمانة، ولهذا سارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤال أبي قتادة في اليوم الثاني عن القضاء. نيل الأوطار 5/270
وكذلك استدلوا بحديث: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عليه. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه.
وذهب بعض أهل العلم منهم أبوثور وحكي عن ابن أبي ليلي وابن شبرمة وداود وهو رواية عند الحنابلة، أن ذمة المضمون تبرأ بمجرد الضمان، كما يبرأ المحيل بنفس الحوالة قبل القبض، فالحوالة والكفالة سواء كلاهما ينقل الحق عن ذمة المضمون عنه والمحيل.
والراجح قول الجمهور وهو أن الميت لا تبرأ ذمته إلا بسداد ديونه. إلا أن من لا مال له ومات وهو عازم على القضاء فإن الله تعالى بفضله وكرمه يقضي عنه ويتجاوز عنه، لما روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله.
والله أعلم.