الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن المفترض في الداعية إلى الله أن لا يفعل ما ينهى عنه من منكر، كما قال تعالى عن شعيب -عليه السلام-: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88].
أما عدم الفعل والتطبيق هل يلزم منه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
فهذه المسألة ناقشها ابن كثير في تفسيره عند الحديث عن هذه الآية: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
وملخص ما قاله يتمثل فيما يأتي:
أن في المسألة قولين للعلماء:
القول الأول: أنه لا يجوز له الدعوة إلى الله في هذه الحالة، واحتجوا بهذه الآية وغيرها من الآيات.
القول الثاني: أنه لا يلزم من ذلك ترك الدعوة إلى الله تعالى.
قال ابن كثير رحمه الله: والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله. واستدل لهذا القول بعدة أدلة منها:
- قول سعيد بن جبير -رحمه الله-: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر.
- قال مالك -رحمه الله-: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء؟
- أن كلاً من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر، أما استدلال الفريق الأول بالآية فرده ابن كثير -رحمه الله- بقوله: ليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به ولا يتخلف عنهم. اهـ.
وبهذا يتبين أن كون الأستاذ أو المربي غير ملتزم لا يسقط عنه وجوب الأمر بالمعروف والنهي من المنكر، لذا ننصح إخوتنا المعلمين وغيرهم بالاستقامة في أنفسهم، وامتثال أوامر الله تعالى، والكف عن نواهيه، ولا شك أنهم إذا فعلوا ذلك كان هذا وحده لونا من ألوان الدعوة والتوجيه، بل هو من أبلغها، فإذا وقع منهم زلل فلا يحملهم ذلك على ترك توجيه الأولاد وإرشادهم وتقديم النصح إليهم، لأن كل واحد من الأمرين واجب، فإذا قصر الشخص في أحدهما فلا يعني ذلك أنه غير مطالب بالثاني.
والله أعلم.