الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما جرح الإمام البخاري لعلون البجلي فقد رواه عنه العقيلي من طريق آدم بن موسى، وهو أحد رواة كتاب الضعفاء عن البخاري، ولم يتفرد به، قال ابن حجر في مقدمة الفتح: كتاب الضعفاء يرويه عنه أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي، وأبو جعفر مسبح بن سعيد، وأدم بن موسى الخواري، وهذه التصانيف موجودة مروية لنا بالسماع أو بالإجازة اهـ.
وقال محقق كتاب (الضعفاء الصغير) عن آدم بن موسى: أخرج عنه ابن حبان حديثا في صحيحه، ولم أر من وثقه، ولا يضر ذلك في صحة نسبة الكتاب للإمام البخاري رحمه الله ـ ثم نقل كلام ابن حجر السابق ثم قال ـ : فقد ثبت أن آدم بن موسى متابع، والاعتماد في ذلك على النسخ، فنسبة الكتاب للبخاري من الشهرة بمكان اهـ.
وأما دعوى أن مراد ابن يونس بقوله في علوان هذا: " منكر الحديث " مجرد تفرده بهذه الرواية، وأن هذا ديدن المتقدمين !! فلا يصح، بل مراده النكارة التي يترك بها الحديث ويحكم بوهائه وبطلانه، كما يتبين ذلك من قول إمام أهل مصر أحمد بن صالح الحافظ الثبت، حيث قال ابن شاهين في (تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين): وفي كتاب جدي عن ابن رشدين قال: سألت أحمد بن صالح عن حديث علوان بن داود، الذي يروي أصحابنا؟ فقال: هذا حديث موضوع كذب لا ينبغي أن يكتب ولا يقرأ ولا يحدث به. وكأني رأيت علوان عنده متروكاً هو وحديثه. وقال: هذا باطل موضوع اهـ.
وأما من حيث التأصيل لمراد المتقدمين بالمنكر، فقد قال الأستاذ الدكتور أبو ذر المحمدي، رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين، في رسالته للدكتوراة (الشاذ والمنكر وزيادة الثقة موازنة بين المتقدمين والمتأخرين) بعد أن بحث في مفهوم الحديث المنكر عند المتأخرين ثم المتقدين تفصيلا، ثم قال: من خلال الاستقراء لمنهج الأئمة المتقدمين يظهر بجلاء أن الأحاديث المنكرة هي الأحاديث التي يخطئ فيها الراوي؛ في إسنادها أو متنها، سواء أكان هذا الراوي ثقة أم صدوقاً، أم ضعيفاً، أم متروكاً؛ وأنّ النكارة تطلق على تفرد الضعيف، أو على ما يرويه المتروك مطلقاً ... ومن خلال ما مر من أقوال الأئمة، وصنيعهم تبين لنا بطلان القول الشائع عند بعض المتأخرين، أن المتقدمين يطلقون المنكر على تفرد الثقات فقط، وينسبون ذلك إلى الإمام أحمد، أو غيره من الأئمة، وبان أن من منهج المتقدمين إطلاق مصطلح منكر، أو مناكير، أو أغلاط، أو أخطاء، أو ما شاكلها على تفرد الرواة مطلقاً بشيء غير محفوظ عندهم، وأنهم لا يفرقون بين هذه الألفاظ الدالة على الخطأ، وهذا ما يسميه الحافظ ابن حجر شاذا إذا كان من ثقة، ومنكراً إذا كان من ضعيف، أي: لا يفرقون بينهما اهـ.
ثم إن صاحب هذا المقال نفسه قد ادعى عدم تفرد علوان به فقال: "سيتم إثبات طريق ليث إلى هذا الحديث، أي طريق ثان غير طريق علوان" !! وهذا سياتي الرد عليه.
وأما دعوى أن العقيلي من المتشددين في الجرح، والاستدلال على ذلك بقول المعلمي في (التنكيل): قد كان في العقيلي تشدد ما، فينبغي التثبيت فيما يقول من عند نفسه، في مظان تشدده اهـ.
فليته إذ نقل كلام العلامة المعلمي عمل به، فإنه قيَّد ذلك ـ كما هو واضح ـ بما يقوله العقيلي من عند نفسه، وهنا قد صدَّر العقيلي كلامه بما أسنده عن البخاري، ولم يقل من عند نفسه !! فكيف وقد وافق الحافظ أحمد بن صالح وابن يونس ، وتبعه ابن شاهين وابن الجوزي والذهبي وابن حجر.
وأما دعوى عدم تفرد علوان به، فلا تصح، لتلف إسنادها، فقد رواه الحافظ ابن عساكر في (تاريخ دمشق) من طريق أبي الهيثم خالد بن القاسم حدثنا ليث بن سعد عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، به. وقال: كذا رواه خالد بن القاسم المدائني عن الليث، وأسقط منه علوان بن داود اهـ.
وخالد هذا الذي أسقط علواناً، قال عنه الذهبي في (تاريخ الإسلام): أحد المتَّهَمين بالكذب، وضع على الليث بن سَعْد أحاديث ... قال ابن معين، والبخاري، ومسلم: متروك اهـ.
ومع تفرد علوان به، فقد اضطرب فيه، فقد سئل الدارقطني عند هذا الحديث فقال في (العلل): هو حديث يرويه شيخ لأهل مصر يقال له علوان بن داود، واختلف عليه فيه؛ فرواه عنه سعيد بن عفير عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق. وخالفه الليث بن سعد فرواه عن علوان عن صالح بن كيسان، بهذا الإسناد إلا أنه لم يذكر بين علوان وبين صالح: حميد بن عبد الرحمن. فيشبه أن يكون سعيد بن عفير ضبطه عن علوان لأنه زاد فيه رجلا، وكان سعيد بن عفير من الحفاظ الثقات اهـ.
وقال ابن عساكر: ورواه غير الليث عن علوان فزاد في إسناده رجلا بينه وبين صالح بن كيسان، ثم أسنده من طريق الوليد بن الزبير حدثنا علوان بن داود البجلي عن أبي محمد المدني عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه اهـ.
ولذلك قال العقيلي: ولا يعرف علوان إلا بهذا، مع اضطراب الإسناد اهـ.
وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد): رواه الطبراني، وفيه علوان بن داود البجلي، وهو ضعيف، وهذا الأثر مما أنكر عليه اهـ.
ومع هذا فقد أخرج الضياء المقدسي هذا الحديث من طريق الطبراني، ثم نقل كلام الدارقطني في العلل، ثم قال: وهذا حديث حسن عن أبي بكر!! اهـ. ولعله اعتمد في هذا على ذكر ابن حبان لعلوان في كتاب الثقات. وعلى أية حال فمع افتراض حسنه فلا بد من التنبه إلى أن عبارة: " وددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة .. " لا يمكن حمله على ما حمله عليه أهل البدع من حرق أو هدم بيت فاطمة رضي الله عنها.
والله أعلم.