الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن حصر هذه البدع خاصة في مجال الفتوى، فهذا يحتاج إلى دراسة مستقلة مستفيضة ليقترب من الحصر، وأما الحصر والتعيين فغير متأت على أية حال، ولذلك قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {الأنعام: 153}. فعبر بالسبل، لأنها غير منحصرة.
قال الشاطبي في الاعتصام: إذا تبين أن للراسخين طريقا يسلكونها في اتباع الحق، وأن الزائغين على طريق غير طريقهم احتجنا إلى بيان الطريق التي سلكها هؤلاء لنجتنبها، كما بين الطريق التي سلكها الراسخون لنسلكها، وقد بين ذلك أهل أصول الفقه وبسطوا القول فيه، ولم يبسطوا القول في طريق الزائغين، فهل يمكن حصر مآخذها أو لا؟ فنظرنا في آية أخرى تتعلق بهم كما تتعلق بالراسخين، وهي قول الله تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ـ فأفادت الآية أن طريق الحق واحدة، وأن للباطل طرقا متعددة لا واحدة، وتعددها لم ينحصر بعدد مخصوص، وهكذا الحديث المفسر للآية، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا، فقال: هذا سبيل الله، ثم خط لنا خطوطا عن يمينه ويساره وقال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم تلا هذه الآية ـ ففي الحديث أنها خطوط متعددة غير محصورة بعدد، فلم يكن لنا سبيل إلى حصر عددها من جهة النقل، ولا لنا أيضا سبيل إلى حصرها من جهة العقل أو الاستقراء، أما العقل: فإنه لا يقضي بعدد دون آخر، لأنه غير راجع إلى أمر محصور، ألا ترى أن الزيغ راجع إلى الجهالات؟ ووجوه الجهل لا تنحصر، فصار طلب حصرها عناء من غير فائدة، وأما الاستقراء، فغير نافع أيضا في هذا المطلب، لأنا لما نظرنا في طرق البدع من حين نبغت، وجدناها تزداد على الأيام، ولا يأتي زمان إلا وغريبة من غرائب الاستنباط تحدث، إلى زماننا هذا. اهـ.
وأقرب ما يمكن أن يفيد السائل في عد جملة كبيرة من البدع كتاب: معجم البدع ـ للشيخ رائد صبري أبي علفة.
والله أعلم.