الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فغير المسلمين في بلاد المسلمين منهم الذمي ومنهم المستأمن، ولكل منهما ما يخصه من الأحكام، على خلاف بين المذاهب في ذلك، وفي تفصيلات الحدود، قال ابن قدامة في المغني: إذا تحاكم إلينا مسلم مع ذمي وجب الحكم بينهم، لأن عليا حفظ الذمي من ظلم المسلم وحفظ المسلم منه، وإن تحاكم بعضهم مع بعض, أو استعدى بعضهم على بعض, خير الحاكم بين الحكم بينهم والإعراض عنهم, لقول الله تعالى: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ـ فإن حكم بينهم, لم يحكم إلا بحكم الإسلام لقول الله تعالى: وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط. اهـ.
وبالنسبة لخصوص إقامة الحدود وما فيها من تفصيلات في المذاهب الأربعة، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: لا خلاف بين الفقهاء في أن الحد لا يجب إلا على مكلف .. وأما الإسلام فالأصل عند أبي حنيفة أن الحدود تقام على الذميين ولا تقام على مستأمن, إلا حد القذف فيقام عليه باتفاق فقهاء الحنفية، ولا يقام على الكافر حد الشرب عندهم، وفي حد الزنى تفصيل، قال أبو حنيفة: إذا زنى الحربي المستأمن بذمية تحد الذمية ولا يحد الحربي، وإذا زنى ذمي بمستأمنة يحد الذمي ولا تحد المستأمنة، وقال أبو يوسف كلاهما يحدان، وقال محمد في الصورة الأولى: لا تحد الذمية أيضا، لأن المرأة تابعة للرجل فامتناع الحد في حق الأصل يوجب امتناعه في حق الفرع ... وذهب المالكية إلى أن الكافر يقام عليه حد القذف والسرقة والقتل ولا يسقط عنه بإسلامه، أما حد الزنى فإنه يؤدب فيه فقط ولا يقام عليه الحد إلا إذا اغتصب امرأة مسلمة فإنه يقتل لنقضه العهد، وكذلك لو ارتكب جريمة اللواط فإنه يرجم، ولا حد عليه في شرب الخمر، وقال الشافعية: يستوفى من الذمي ما ثبت ولو حد زنى أو قطع سرقة, ولا يحد بشرب خمر لقوة أدلة حله في عقيدتهم، ولا يشترط في إحصان الرجم أن يكون مسلما، ولا يقام على المستأمن حد الزنى على المشهور عند الشافعية، ويحد الكافر حد القذف ذميا كان أو معاهدا ... وعند الحنابلة إذا رفع إلى الحاكم من أهل الذمة من فعل محرما يوجب عقوبة مما هو محرم عليهم في دينهم كالزنى والسرقة والقذف والقتل فعليه إقامة حده عليه، لما روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بيهوديين فجرا بعد إحصانهما فأمر بهما فرجما ـ وإن كان يعتقد إباحته كشرب خمر لم يحد, وإن تحاكم مسلم وذمي وجب الحكم بينهم بغير خلاف، ويقطع الذمي بالسرقة، وكذلك المستأمن، وقال ابن حامد: لا يقطع المستأمن، وقد نص أحمد على أنه لا يقام حد الزنى على المستأمن ودليل وجوب القطع أنه حد يطالب به, فوجب عليه كحد القذف. اهـ.
والله أعلم.