الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد كان جبريل -عليه السلام- في رمضان من كل عام يعارض (يستعرضه ما أقرأه إياه) الرسول صلى الله عليه وسلم بما سبق، وتم نزوله من سور وآيات القرآن، حسب الترتيب الذي بينه له؛ حتى إذا كان رمضان الأخير في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، عارضه جبريل به مرتين سورة سورة، وآية آية، وهذا ما يسمَّى بالعرضة الأخيرة، ثم أُثبت في المصاحف على هذا التأليف، وهو الموجود اليوم في أيدي المسلمين.
وقد روى الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن، والسجستاني في المصاحف، وابن حجر في الفتح، والسيوطي، وغيرهم بإسناد صحيح، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلًا -(لجنة من حفاظ الصحابة، يرأسها: زيد بن ثابت) من قريش، والأنصار، فيهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وكان عثمان يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارؤوا في شيء، أخّروه.
قال محمد: فقلت لكثير: هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟
قال: لا، قال محمد: فظننت ظنًّا إنما كانوا يؤخرونه؛ لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الأخيرة، فيكتبونها على قوله. فهم متفقون على كتابة المصحف حسب العرضة الأخيرة، لكن ينظرون آخرهم سماعًا، وقراءة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيكتبونها على قوله.
وهذا المصحف الذي كتبته، ورتبته هذه اللجنة، هو الذي نُسخ، ووزعَّ على الأمصار في عهد عثمان، وهو الذي لا يزال المسلمون يقرؤونه إلى اليوم.
والله أعلم.