الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما الحديث المذكور: فإن الصواب في روايته هو ولا تَعُد بفتح التاء وضم العين، وما سوى ذاك لم تأت به الرواية كما بين ذلك الحفاظ، قال ابن حجر في الفتح: قوله ولا تعد: ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وَضَمِّ الْعَيْنِ مِنَ الْعَوْدِ وَحَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ أَنَّهُ رُوِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنَ الْإِعَادَة. انتهى.
وفي عمدة القاري أن هذه اللفظة في جميع الروايات هكذا، فاللفظة التي تروى على أكثر من وجه يرجع في ضبطها الصحيح إلى الحفاظ وهم يبينون المعتمد من الروايات والثابت منها، وهم يبينون أوهام الرواة وما تصحف عليهم وما غلطوا فيه أو جاءوا به على غير وجهه، وإن كان كلا اللفظين مما وردت به الرواية فإنهم يوجهون ذلك الاختلاف بوجه من أوجه الجمع المعروفة؛ كأن يكون بعض الرواة ساق اللفظ بمعناه أو نحو ذلك، وبه يتبين لك ألا إشكال فيما يرد من الألفاظ مرويا على أكثر من وجه، وأن الحفاظ يبينون الصحيح من ذلك والسقيم ويجمعون بين تلك الألفاظ المختلفة إن أمكن الجمع.
وأما طريقة نقل السنة: فإن الصحابة -رضوان الله عليهم- تلقوا هذه الأحاديث من في النبي -صلى الله عليه وسلم- ونقلوها مشافهة لمن بعدهم من التابعين، وهكذا، حتى كان عصر التدوين، ولم يكن في الصحابة من يكتب إلا جماعة قليلة كانوا يكتبون الحديث كعبد الله بن عمرو -رضي الله عنهماـ ثم كثرت الكتابة في الأزمنة اللاحقة كما هو معلوم في تاريخ تدوين السنة، وظل الأصل في التلقي على الشيوخ هو السماع من لفظ الشيخ أو القراءة عليه، ولذا كانت أعلى درجات التحمل عند الجمهور هي السماع من لفظ الشيخ، ثم العرض أي القراءة عليه وهو يسمع، ولا خلاف في اعتماد هذين الطريقين من طرق تحمل الحديث، واختلفوا في الإجازة والمناولة وغيرهما من طرق تحمل الحديث بما تمكن مراجعة تفصيله في كتب هذا الفن، وممن نبه من العلماء على أن التلقي عن أفواه المشايخ هو الموجب للسلامة من التصحيف والغلط، الإمام النووي، ففي تدريب الراوي: وَطَرِيقُهُ فِي السَّلَامَةِ مِنَ التَّصْحِيفِ الْأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالضَّبْطِ عَنْهُمْ لَا مِنْ بُطُونِ الْكُتُبِ. انتهى.
والله أعلم.