الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حافظ الإسلام على البيئة بالنهي عن الإضرار بها، والأمر بالمحافظة عليها، ومن الأمور التي نهى الله عنها لحفظ البيئة، الإفساد في الأرض عموماً، كما في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، ونهى عن إهلاك الحرث والنسل بذم من فعل ذلك، كما في قوله تعالى: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205].
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وعبد الرزاق في المصنف، ومعناه لا ضرر ابتداءً، ولا ضرر في مقابل الضرر. ومما أمر الله به لحفظ البيئة، الدعوة إلى الزرع وإثبات الأجر بفعله، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة. وروى البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في كل ذات كبد رطبة أجر.
وقد عُني الإسلام بالبيئة في كل نواحيها، ففي الناحية الزراعية أمر بالحرص على الزرع ولو قامت القيامة- يعني ظهرت علاماتها - فقال صلى الله عليه وسلم: إذا قامت الساعة، وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل. رواه أحمد ،وفي الحديث السابق الذي يتكلم عن فضل الغرس ما يدل على ذلك أيضاً.
وأمر الإسلام كذلك بإحياء الموات من الأرض، ورتب على ذلك أجراً أخروياً لتحفيز الناس على ذلك، ومن ذلك ما رواه أحمد في المسند، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحيا أرضاً ميتة فله أجر، وما أكلت العافية (كل طالب رزق آدمياً كان أو غيره) منها فهو له صدقة. وصححه الألباني.
وأمر الإسلام بنظافة الطرق والحفاظ عليها من كل ما يؤذي، وجعل ذلك من شعب الإيمان، ففي الحديث: الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. رواه لبخاري ومسلم عن أبي هريرة.
وعن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أماط أذى من طريق المسلمين، كتبت له حسنة، ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة. رواه الطبراني في المعجم، والبخاري في الأدب المفرد. وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي في الطريق إذ وجد غصن شوك، فأخره فشكر الله له فغفر له.
وأمر الإسلام بالحفاظ على الحيوان مأكولاً كان أو غير مأكول، وعاقب من كان سبباً في تعذيبه، كما في الحديث: دخلت امرأة النار في هرة، ربطتها، فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت هزلاً. رواه مسلم. وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً. يعني: لمجرد تعلم الرماية أو اللهو.
وأمر الإسلام بالحفاظ على الطرق والمنتزهات، وجعل لمن أفسدها أشد العقاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم. رواه مسلم.
كما أمر الإسلام بالحفاظ على المياه بأنواعها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه.
فالإسلام بعيد كل البعد عما تفعله بعض الشعوب بصور فردية وجماعية، إذ يلوثون البحار بالإشعاعات النووية، ويطمرون الأغذية خوفاً من رخص سعرها، ويبيدون الأشجار والحيوانات باسم الترفيه والنزهة، ويسرفون في استخدام موارد البيئة فيما لا يفيد، ويعتدون على الأرواح والنفوس دون مبالاة.
والله أعلم.