الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس الأمر بهذا السوء والعسر الذي يصوره الأخ السائل، فالاستطاعة مناط التكليف، والواجبات تسقط بالتعذر، والمشقة تجلب التيسر، والضرورات وإن كانت تبيح المحظورات إلا إنها يجب أن تقدر بقدرها، وقد جمع الإمام النووي شتات هذه المعاني مؤصلة على هذه القواعد فقال في كتاب (الأذكار): اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها، فيجب على من سمع إنسانا يبتدئ بغيبة محرمة أن ينهاه إن لم يخف ضررا ظاهرا، فإن خافه وجب عليه الإنكار بقلبه ومفارقة ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدر على الإنكار بلسانه أو على قطع الغيبة بكلام آخر لزمه ذلك، فإن لم يفعل عصى .. ومتى اضطر إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة وعجز عن الإنكار أو أنكر فلم يقبل منه ولم يمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والإصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضره بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرون في الغيبة ونحوها وجب عليه المفارقة اهـ.
وهذا الكلام ـ على اختصاره ـ متين جامع، وفيه بيان لما يصح قبوله من كلام السائل. وقد سئلت (اللجنة الدائمة للإفتاء) عن حكم سماع الغيبة؟ فأجابت: سماع الغيبة محرم؛ لأنه إقرار للمنكر، والغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، يجب إنكارها على من يفعلها اهـ.
وقد قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {الأنفال: 25}
قال السعدي: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. بل تصيب فاعل الظلم وغيره، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره، وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن. اهـ.
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العجب إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم. فقالوا: يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم. وهذا الحديث يدل على حرمة تكثير سواد أهل الباطل، ولو من غير مشاركتهم في اعتقادهم ومرادهم وأفعالهم. ويدل آخره على التفريق بين الناس بحسب ما في القلوب، قال النووي: في هذا الحديث من الفقه: التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا يناله ما يعاقبون به، وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا. اهـ.
وقال ابن حجر: في هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل، والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم إلا لمن اضطر إلى ذلك. قال المهلب : في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم. اهـ.
وقد سبق لنا بيان عقوبة الساكت على الغيبة في الفتوى رقم: 66124. وكيفية صلة الرحم الذين يقعون في أعراض الناس، وذلك في الفتوى رقم: 80230.
وللإفادة حول بقية نقاط السؤال نرجو الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 150079، 150695، 152021.
والله أعلم.