الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس في ما ذكره السائل ما يتعلق بالحلال والحرام وإنما هو البحث عن الفضيلة، أو الأفضلية، وذلك أنه لا يحرم عليه ترك مكة مع تيسر العيش فيها، كما نبهنا عليه في الفتوى رقم: 137384.
كما لا يحرم عليه أن يطلب راتبا عادلا على عمله، ولا يحرم عليه تركه وعودته إلى بلده طالما أن عقده لا يلزمه بمدة معينة يجب عليه الوفاء بها، وكذلك لا يحرم عليه أن يرضى بأقل من راتب مثله حتى ولو وجدت فرصة أفضل من حيث الراتب، فأمر السائل محصور ـ والله أعلم ـ في الاستفسار عن الأفضل، وهذا لا شك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فالمكث الطويل في مكة قد يكون لبعض الناس فرصة لاكتساب حسنات لا يعلم قدرها إلا الله، وقد يكون في حق آخرين سببا لاكتساب مثل ذلك من السيئات، ولذلك كره من كره من أهل العلم الجوار بمكة، فإن الذنب فيها أقبح منه في غيرها، كما سبق لنا بيانه في الفتوى رقم: 118631.
وكذلك يختلف الأمر بحسب طبيعة العمل القائم في مكة نوعاً وكمَّاً وكيفاً، كما أن البلد الأصلي للسائل قد يكون فيه من فتن الدين والدنيا ما لا يحسن معه الرجوع إليها، وكذلك الحال من حيث توفر فرص العمل الذي يحصِّل به السائل ما يلزمه لنفسه ومن يعول، ولاسيما وأن عليه دينا في بقية ما عليه من الأقساط، إلى غير ذلك من أوجه المقارنة، فالحاصل أن على السائل أن يوازن بين المزايا والعيوب لكل اختيار يقدم عليه فيحصِّل أعلى المصالح بتفويت أدناها، ويفوت أعلى المفاسد بتحمل أدناها، ويعينه على ذلك استشارة أهل الخير والخبرة العالمين بحاله، وأهم من ذلك: تقديم الاستخارة بين يدي حاجته، فإنها من أقرب أسباب التوفيق والرشاد، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كنت وأن يوفقك لأرشد أمرك.
والله أعلم.