الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في أن الاستعفاف عن المسألة خير للمرء من بذل ماء وجهه وتكفف الناس ما بأيديهم.
قال في المرعاة في شرح حديث الزبير المذكور: والمراد أن ما يلحق الإنسان بالاحتزام من التعب الدنيوي خير له مما يلحقه بالسؤال من التعب الأخروي، فعند الحاجة ينبغي له أن يختار الأول ويترك الثاني (من أن يسأل الناس) أي من سؤال الناس ، ولو كان الاكتساب بعمل شاق كالاحتطاب. وقد روي عن عمر فيما ذكره ابن عبد البر: مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس (أعطوه) فحملوه ثقل المنة مع ذل السؤال (أو منعوه) فاكتسب الذل والخيبة والحرمان يعني يستوي الأمر في أنه خير له. وفي الحديث الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها، وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد ، إذا لم يعط. ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل ، وفيه فضيلة الاكتساب بعمل اليد. انتهى.
والمسألة محرمة مع عدم الحاجة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة.... الحديث. أخرجه مسلم.
وللوعيد الشديد الوارد في من سأل الناس وعنده ما يكفيه. أما من اضطر للمسألة فلا حرج عليه فيها، سواء كان ذلك بسؤال الناس مباشرة أو عن طريق الإنترنت.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم. متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر. رواه مسلم.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسألة كدٌ يكد بها الرجل وجهه؛ إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بد منه. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
قال أبو حامد الغزالي في الإحياء: السؤال حرام في الأصل، وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة قريبة من الضرورة، فإن كان عنها بدٌ فهو حرام. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: فإن احتاج ولم يقدر على كسب لائق جاز بشرط أن لا يذل نفسه ولا يلح ولا يؤذي المسؤول؛ فإن فقد شرط منها حرم اتفاقا. انتهى.
وبه تعلم حكم ما سألت عنه وأنه لا حرج في المسألة على الوجه المذكور لمن اضطر لذلك.
والله أعلم.