الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ابن القيم رحمه الله ذكر في مفتاح دار السعادة مراتب السعداء والكمل من الناس فقال: فأما مراتب الكمال فأربع: النبوة والصديقية والشهادة والولاية. وقد ذكرها الله سبحانه في قوله: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما. وذكر تعالى هؤلاء الأربع في سورة الحديد فذكر تعالى الإيمان به وبرسوله ثم ندب المؤمنين إلى أن تخشع قلوبهم لكتابه ووحيه، ثم ذكر مراتب الخلائق شقيهم وسعيدهم فقال: إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم. وذكر المنافقين قبل ذلك فاستوعبت هذه الآية أقسام العباد شقيهم وسعيدهم. والمقصود أنه ذكر فيها المراتب الأربعة الرسالة والصديقية والشهادة والولاية فأعلى هذه المراتب النبوة والرسالة ويليها الصديقية فالصديقون هم أئمة اتباع الرسل ودرجتهم أعلى الدرجات بعدالنبوة ..اهـ.
وكلامه -رحمه الله- يفيد أن الصديقية هي أعلى المراتب بعد النبوة فهي أعلى ما يمكن أن يصل إليه المؤمن من الصحابة أو غيرهم، وأما عمر وعثمان رضي الله عنهما فقد وصلا أعلى مراتبها وهما في الدرجة الثانية والثالثة بعد إمام الصديقين أبي بكر رضي الله عن الجميع.
فقد قال ابن القيم في الروح: عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأس الصديقين...اهـ
ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح عن علي رضي الله عنه أنه قال : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر .
وفي صحيح مسلم: أن عليا ترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ..
وذكر ابن رجب في اللطائف أنه لما قال أبو بكر : قد أقلتكم بيعتي قال علي : لا نقيلك و لانستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه و سلم فمن ذا يؤخرك، لما انطوى بساط النبوة من الأرض بوفاة الرسول صلى الله عليه و سلم لم يبق على وجه الأرض أكمل من درجة الصديقية و أبو بكر رأس الصديقين. اهـ
فأبو بكر سيد الصديقين وعمر وعثمان بعده مباشرة فهما أعلم الناس بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأشدهما تصديقا له وعملا به، لأن الصديقية هي كمال الإيمان بما جاء به الرسول علما وتصديقا وقياما به، فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول وأكمل تصديقا له كان أتم صديقية كما قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة.
وقد نالها من هم دون عمر وعثمان لحديث عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا قال: من الصديقين والشهداء. رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وصححه الألباني.
وأما الحديث الذي ذكر السائل فلا يفيد نفي الصديقية عن عمر ولا عثمان فإنها وإن لم تثبت في هذا الحديث فتثبت بأدلة أخرى كآية الحديد.
فقد قال صاحب تفسير روح البيان في تفسيرها : الصديق نعت لمن كثر منه الصدق وهم ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ألحقه الله بهم وإن تم به الأربعون لما عرف من صدق نيته ...اهـ
والله أعلم.