الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن كان في مثل حال السائل لا يجب عليه إلا التوبة، وأما الاغتسال فلا يجب، وذلك لكونه موسوسا، والاغتسال فرع للحكم بالردة، فلابد أن تثبت أولا، وقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول إسلامه بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفراً أكبر مخرجا من الملة، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر، ومع ذلك، فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير معذور بجهل أو تأويل.
وعلى السائل الكريم أن يطرح عن نفسه هذه الأفكار ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 133016، وما أحيل عليه فيها.
وأما سؤال: هل كل متسخط بقلبه كافر؟ فجوابه لا يكون إلا بتفصيل، فإن التسخط ولو كان بالقلب فليس على درجة واحدة، فمنه ما يوصل للكفر، ومنه ما هو دون ذلك، فإن كان سببه إنما هو الشك في حكمة الله وعلمه وقدرته وعدله، أو الاعتراض على ربوبيته وقضائه وقدره، ونحو ذلك، فهذا من النوع الأول، وأما ما كان سببه الجزع والتألم وتمني غير المقدور مع التسليم لله واليقين بحكمته وعدله، فهذا من النوع الثاني، ومن أمثلة التسخط المكفر ما وقع من المنافقين بعد غزوة أحد، حيث وصفهم الله تعالى فقال: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا. {آل عمران: 154}.
قال الشيخ الغنيمان في شرح فتح المجيد: قد علم أن هؤلاء يقولون ذلك غير راضين به، بل ساخطين بما صار وآسفين عليه، ومتضايقين منه أشد الضيق، وهم مع ذلك يعتقدون أنه يمكن أن يتغير، ولو أخذ برأيهم ما وقع ذلك. فهذا المقصود من المنع من قول (لو) أنها إذا كانت بالاعتراض على قدر الله جل وعلا وعدم الرضا بما وقع، فإن هذا لا يجوز أن يقع من المسلم... فهذا اعتراض على الله، وهو من الكفر بالله جل وعلا. اهـ.
وقال أيضا في باب ما جاء في اللو: المقصود الاعتراض على القدر أو الاعتراض على الشرع، أما الاعتراض على القدر فيكون بعد وقوع الشيء، ينظر إلى الأسباب وإلى الأمور التي يفكر أنه يمكن أن يفعلها، فينجو من ذلك فيقول: لو أني فعلت كذا ما صار كذا وكذا. وفي نفسه عند هذا القول من الضيق والحرج والأسى والسخط لما وقع فيه، فهو غير راضٍ بما وقع، ويرى أنه يمكن أن يغير، وهذا كله من الكفر بالله جل وعلا. اهـ.
وقال أيضا: لقد نهى الشارع الحكيم عن التسخط وعدم الرضا بالقدر، لما في ذلك من الاعتراض على الله سبحانه وتعالى وشرعه وحكمه، وهذا منافٍ للإيمان، ومن ذلك التسخط بكلمة (لو) على أقدار الله، والظن بأن الأسباب تغير المقادير. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: التسخط على أنواع:
النوع الأول: أن يكون بالقلب، كأن يتسخط على ربه، يغتاظ مما قدَّره الله عليه، فهذا حرام، وقد يؤدي إلى الكفر، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ. {الحج: 11}.
النوع الثاني: أن يكون باللسان، كالدعاء بالويل والثبور، وما أشبه ذلك، وهذا حرام.
النوع الثالث: أن يكون بالجوارح، كلطم الخدود وشق الجيوب ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب. اهـ.
وأخيرا نذكر السائل بأهمية ما سبق ذكره من اطراح هذه الأفكار وعدم الاسترسال معها، ويمكن للفائدة الاطلاع على الفتوى رقم: 51778.
والله أعلم.