الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن صرف العبادات لغير الله شرك أكبر، وقد سبق في الفتوى رقم: 9476الرد على هؤلاء الذين يدعون الأموات ويتحججون بأنها مجرد أسباب، وبينا أن هذا من جنس ما كان يحتج به المشركون الأوائل.
وأما من اتخذ أسبابا لم يجعلها الشارع أسبابا فهذا فيه تفصيل بحسب اعتقاد فاعلها.
فمثلا: لبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره.
وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسب سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً. (القول المفيد على كتاب التوحيد)
وأما بخصوص ما ذكرته عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وسماحة الشيخ ابن باز رحمهما الله تعالى، فكلاهما يقول بأن التقرب إلى غير الله بأي عبادة شرك أكبر مخرج من الملة، كما أن كلا منهما يرى التفصيل في مسألة العذر بالجهل. وإنما قد يختلفان في تنزيله على بعض الصور. ونحن ننقل لك من كلامهما ما يدل على ذلك.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما؛ لأجل جهلهم وعدم من ينبههم. (الدرر السنية).
وقال رحمه الله في مجموعته: وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك.
وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز: دعوى الجهل والعذر به فيه تفصيل, وليس كل واحد يعذر بالجهل, فالأمور التي جاء بها الإسلام وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم للناس وأوضحها كتاب الله وانتشرت بين المسلمين لا تقبل فيها دعوى الجهل, ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة وأصل الدين. فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليوضح للناس دينهم ويشرحه لهم وقد بلغ البلاغ المبين وأوضح للأمة حقيقة دينها وشرح لها كل شيء وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها, وفي كتاب الله الهدى والنور ...
... وهكذا إذا ادعى أحد بأنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور أو عند الأصنام من دعوة الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم, أو الذبح للأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الأحجار , أو طلب الشفاء أو النصر على الأعداء من الأموات أو الأصنام أو الجن أو الملائكة أو الأنبياء . . فكل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة وأنه شرك كبير. (مجموع الفتاوى)
وبذلك يتضح أن الشيخين لم يختلفا في أصل الحكم وهو الشرك الأكبر كما لم يختلفا في مبدأ العذر بالجهل، وإنما اختلفا في تنزيله على الواقع.
والعلماء متفقون في الجملة على مبدأ العذر بالجهل إلا أنهم يتفاوتون في كيفية الأخذ به، وفي المسائل التي يعذر فيها بالجهل. وانظر الفتويين: 75673، 120529.
وما ذكرته من قول من يقول ليس من شأننا أن نكفر فلانا، أو فلانا كلام صحيح، ذلك أن تكفير المعين أمر خطير وجليل، ولكن عدم تكفير المعين لا يمنع من وصف العمل الفلاني بأنه شرك أو كفر، كما بينا في الفتوى رقم: 98395، والفتوى رقم: 721.
والله أعلم.