الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما أمرك به أهلك من صيام شهرين متتابعين هو ما أوجبه الله تعالى عليك بقوله في بيان كفارة قتل الخطأ: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. {النساء:92}، فإذا قطعت الصوم من غير عذر كمرض أو نحوه وجب عليك استئنافه.
قال ابن كثير رحمه الله: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين أي: لا إفطار بينهما، بل يسرد صومهما إلى آخرهما، فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيض أو نفاس، استأنف، واختلفوا في السفر: هل يقطع أم لا؟ على قولين. وقوله: (توبة من الله وكان الله عليما حكيماً) أي: هذه توبة القاتل خطأ إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين. انتهى.
وما ذكرته من عدم قدرتك على متابعة الصوم بسبب الاستمناء المسمى بالعادة السرية، عذر قبيح فإن العادة السرية محرمة يجب الكف عنها والمبادرة بالتوبة منها فوراً، وراجع فيها الفتوى رقم: 7170. ويكون فعلها أقبح إذا وقعت في نهار الصوم الواجب فإنها مفسدة للصوم في قول عامة العلماء، ومن شرع في صيام الكفارة لم يجز له قطعه على الراجح بل هو مأمور بإتمامه لأنه واجب شرع فيه.
قال الزركشي في خبايا الزوايا: وذكر في باب الكفارة أنه لو شرع في صوم الكفارة ثم نوى قطعها بالليل ليصومها بعد مدة لم يكن له ذلك على الأصح تنزيلاً له بمنزلة الصلاة فيلزم بالشروع. انتهى.
وإذا لم يجز إبطال التتابع بنية عدم الصوم من الليل فعدم جواز إبطال اليوم بعد الشروع فيه أولى، ومن ثم فعليك بالتوبة النصوح إلى ربك تعالى من هذا الذنب، ثم عليك بصيام الشهرين المتتابعين كما أمرك بذلك ربك تعالى، ولعل صومك لهذين الشهرين المتتابعين يكون عوناً لك على الإقلاع عن هذه العادة الذميمة، والأمر يحتاج منك إلى شيء من الإرادة الصادقة والعزيمة القوية واللجوء إلى الله تعالى والاستعانة به ليعينك على أداء ما أوجبه عليك وترك ما نهاك عنه.
وننبه ههنا إلى أن العلماء اختلفوا في من عجز عن صوم كفارة القتل هل يجزئه الإطعام أو لا؟
قال ابن كثير رحمه الله: واختلفوا فيمن لا يستطيع الصيام: هل يجب عليه إطعام ستين مسكيناً، كما في كفارة الظهار؟ على قولين: أحدهما: نعم. كما هو منصوص عليه في كفارة الظهار، وإنما لم يذكر ها هنا، لأن هذا مقام تهديد وتخويف وتحذير، فلا يناسب أن يذكر فيه الإطعام لما فيه من التسهيل والترخيص، القول الثاني: لا يعدل إلى الإطعام، لأنه لو كان واجباً لما أخر بيانه عن وقت الحاجة. انتهى.
وهذا في من كان له عذر يمنعه من الصوم، وأما أنت فلست معذوراً في ترك الصوم فيما يظهر.
والله أعلم.