الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل عدم جواز التزوير بصفة عامة فقد ورد في الحديث المتفق عليه عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ - أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ. قَالَ: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت»
وما يقوم به بعض الناس من تزوير لشهادات الميلاد وغيرها من الأوراق الثبوتية هو من هذا الباب، وقد تترتب عليه مفاسد وضياع حقوق كثيرة، فلا يجوز الإقدام عليه إلا في حالة يتحقق فيها شرطان: الأول منهما أن يكون الشخص في حال ضرورة ملجئة أو حاجة في معناها، بحيث إن له حقا، قد سدت في وجهه السبل الموصلة إليه بدون هذه الأوراق. والثاني أن لا يكون في تزوير تلك الأوراق إلحاقُ ضرر بشخص آخر، أو حدوثُ مفسدة أعظم، وذلك أن من قواعد الشرع أن الضرر لا يزال بالضرر، وأن المفسدة لا تدفع بمفسدة أعظم منها.
فإذا تحقق هذان الشرطان جاز ذلك بقدر ما يزيل الضرورة ويرفع الحرج، وإن لم يتحقق الشرطان، أو شك الشخص في تحققهما، فالأصل عدم الجواز.
والمسلم يحتاط لدينه، ويدع ما فيه شك وريبة، ويبتعد عن الشبهات، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رواه الإمام أحمد والترمذي. وقال أيضا: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ...» رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ عند البخاري أنه قال: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أن يواقعه»
والله أعلم.