الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أنه لا يجوز الجلوس على هذه المقاهي التي يشرب فيها الخمر، وذلك لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: 140}.
قال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله: وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع. انتهى.
وروى الترمذي، وحسنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر.
قال المباركفوري: وإن لم يشرب معهم كأنه تقرير لهم على المنكر. انتهى.
وما ذكرته من قياس الجلوس معهم على الشراء منهم: هو قياس فاسد إذ ليس في الشراء من التقرير على المنكر والإشعار بالرضا به ما في الجلوس في مقهى ترى الخمر فيه غادية رائحة، فضلا عن أن الجلوس في أمثال هذه الأماكن له أثر عظيم على إفساد القلب الذي بصلاحه يصلح الجسد وبفساده يفسد ـ وأيضا ـ فإنه لا يرتاب عاقل في أن داعي الحاجة للبيع والشراء ليس كداعيها للجلوس في أمثال هذه الأماكن، ولهذا فرق الشرع بينهما، فأجاز البيع ممن يعلم أنه يبيع بعض ما حرمه الله، فقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود، ومن المعلوم أنهم يتعاطون الحرام، ونهى عن الجلوس في هذه الأماكن، فليس لمسلم أن يجمع بين ما فرق الله بينه بل على المسلمين أن يتقوا الله تعالى وأن يعضوا على دينهم بالنواجذ، وأن ينقادوا لأمره ويذعنوا لحكمه دون أن يتحكموا فيه بعقولهم، فقد مدح الله تعالى المؤمنين بقوله: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ {النور:51}.
والله أعلم.