الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكر الله لك أيتها الأخت الفاضلة حرصك على طاعة ربك وبر أمك، ونسأل الله لنا ولك الثبات على الحق. ثم الذي ننصحك به هو أن تبيني لأمك فضل قيام الليل والأحاديث الواردة في نزول الرب تعالى إلى سماء الدنيا حين يكون ثلث الليل الآخر، وما أشبه ذلك من النصوص الكثيرة المرغبة في إحياء آخر الليل خاصة، فإن اقتنعت -وما نظنها إلا ستقتنع إن شاء الله- فبها، وإن أصرت على موقفها وعلمت أن الدافع لها في ذلك هو الخوف عليك فعليك بمداراتها كما أرشد إلى ذلك الإمام أحمد رحمه الله، فتقومين من حيث لا تشعر وتصلين دون إخبارها بذلك إن أمكنك ذلك، وإلا فترفقي بها وقومي أحيانا ودعي أحيانا، وإذا تركت القيام من آخر الليل يوما فصلي من أوله فالقيام في كل الليل حسن، وإذا كان مقصودك بذلك هو بر أمك والحرص على ألا تغضبيها رجونا أن تنالي الأجرين إن شاء الله.
جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح رحمه الله: قال أحمد في رواية هارون بن عبد الله في غلام يصوم وأبواه ينهيانه عن صوم التطوع ما يعجبني أن يصوم إذا نهياه، لا أحب أن ينهياه يعني عن التطوع وقال في رواية أبي الحارث في رجل يصوم التطوع فسأله أبواه أو أحدهما أن يفطر قال: يروى عن الحسن أنه قال: يفطر وله أجر البر وأجر الصوم إذا أفطر، وقال في رواية يوسف بن موسى: إذا أمره أبواه أن لا يصلي إلا المتكوبة قال: يداريهما ويصلي، قال الشيخ تقي الدين: ففي الصوم كره الابتداء فيه إذا نهياه واستحب الخروج منه، وأما الصلاة فقال: يداريهما ويصلي. انتهى.
واعلمي أنك لو خالفتها وقمت من الليل لم يكن عليك إثم إن شاء الله، فإن طاعتهما في مثل هذا لا تلزم.
قال الفقيه ابن حجر المكي رحمه الله: وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة فلا يلتفت له الولد في ذلك. انتهى.
ولكن ما أرشدناك إليه أولا من محاولة إقناعها ثم مداراتها إن أمكن هو الأولى إن شاء الله، لما فيه من الجمع بين المصلحتين.
والله أعلم.