الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 37677، أن الدعوة إلى الله من أفضل العبادات، ووضحنا في الفتوى رقم:29987، أن الدعوة إلى الله واجبة على كل فرد بحسب مستواه العلمي واستطاعته وحاجة من حوله إليها.
وعلى ذلك، فإن ما تقومين به من الدعوة إلى الله سبحانه من الطاعات العظيمة خصوصا مع أقاربك وأرحامك وقد قال الله لنبيه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء: 214}.
ولا يجوز لأمك أن تنهاك عن هذا ولا أن تصدك عنه, والواجب عليك أن تصبري عليها فيما تفعله وأن تقابلي تصرفاتها هذه بالعفو والصفح وحسن الخلق فيوشك أن يؤثر هذا في قلبها ويردها عن قسوتها معك, قال سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
واعلمي أن حق الأم عظيم وفضلها على ولدها كبير فمهما صدر منها من إساءة فلا بد من مقابلة ذلك بالصبر بل وبالإحسان والبر.
ولكن لا ينبغي أن يثنيك هذا عن واجبك في الدعوة إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، وإنكار ما يجري من المنكرات مما تقدرين على إنكاره بأسلوب رفيق، ولا يعد غضبها عذرا لك في ترك هذا كله إن تعين عليك إنكار المنكر وتعليم أهلك ولم يوجد من يفعله غيرك, أما إن وجد غيرك ممن يقوم بهذا فلا حرج عليك حينئذ أن تتركي هذا طاعة لأمك، لأن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات التي إذا قام بها البعض سقط الوجوب عن الباقين, قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. انتهى.
ويمكنك أن تحتالي في أمر دعوتك للآخرين فتغتنمي أوقات عدم وجود الأم أو انشغالها للدعوة وتعليم الخير لأهلك, وأكثري من الدعاء لها بالهداية والتوفيق، فإن القلوب بيد الله سبحانه.
وإن بدر من أمك ما يخالف الشرع فواجب عليك نصحها وعليك أن تغتنمي في ذلك وقت صفوها ورضاها، فإن كانت غاضبة فلا حرج أن تؤجلي النصيحة حتى يسكت عنها الغضب, علما بأن نهي الوالدين عن المنكر ليس كنهي غيرهما، فلا يجوز زجرهما ولا الإغلاظ عليهما, ذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية عن الإمام أَحْمَد قال: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ. اهـ.
وأما الحديث الذي تسألين عنه فهو ما رواه البخاري عن ابن مسعود قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا.
جاء في فتح الباري: والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيرنا ولا يفعل ذلك كل يوم، لئلا نمل. انتهى.
واعلمي أن الدعوة إلى الله سبحانه تحتاج إلى مزيد جهد وصبر ومصابرة، وراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 12803, 45713, 123303.
والله أعلم.