الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما حدث مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة سارية تفسيره معروف، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب. متفق عليه.
قال المناوي في (فيض القدير): (مُحَدَّث) أي ملهم أو صادق الظن، وهو من ألقى في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة، أو من إذا رأى رأيا أو ظن ظنا أصاب كأنه حدث به وألقى في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له. وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء ...
قال القرطبي: قوله "فإن يكن" دليل على قلة وقوعه وندرته، وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبون فيما يظنون، لأنه كثير في العلماء، بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر، ومعنى الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعا، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم بالوقوع، وقد دل على وقوعه لعمر أشياء كثيرة كقصة الجبل: يا سارية الجبل. وغيره، وأصح ما يدل على ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك حيث قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. اهـ.
فهذه القصة من باب المكاشفة والإلهام، كرامة ً من الله تعالى لعمر بن الخطاب، ومما يزيد الأمر وضوحا وأنه من الكرامات، أن الأمر لم يقتصر على مجرد معرفة عمر لحال سارية وجيشه، بل زاد الأمر إلى بلوغ صوت عمر لسارية وانتفاعه بذلك بانحيازه بالجيش إلى الجبل بالفعل، وقد سبق ذكر هذه القصة وبيان صحتها في الفتوى رقم: 20692. وراجع لتمام الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 68772، 64898، 106382.
ولكن هذه القصة لا علاقة لها بما يعرف الآن بتخاطب الأرواح، ولا الأبحاث الروحية المعاصرة بصفة عامة، وقد سبق لنا بيان بطلان وتهافت ما يعرف بالأبحاث الروحية والإسقاط النجمي والجسم الأثيري، في الفتوى رقم: 128992.
كما سبق أن بينا خطورة ما يعرف بالتنمية البشرية أو البرمجة العصبية في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 121281، 94724، 103455، 117782.
وأما ظاهرة: شوهد من قبل أو عاشه الإنسان من قبل فهي من الظواهر التي كثر الكلام حول تفسيرها وأكثر هذه التفسيرات محض ظنون، وإن كان بعضهم يحاول تفسيرها تفسيراً علمياً، ولم نقف لأحد من أهل العلم الثقات على علة تفسير لهذه الظاهرة يستند إلى دليل شرعي، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 129383.
والله أعلم.