الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالنفقة على الوالدين الموسرين لا تجب على ولدهما، إلا على سبيل الاستحباب تطييبا لخاطرهما، خصوصا إذا علم تعلق قلوبهما بشيء من هذا، بخلاف ما إذا كانا فقيرين فإن النفقة عليهما عندئذ واجبة بإجماع أهل العلم.
وكون الابن وماله لأبيه لا يبيح للأب التصرف في مال ابنه دون حدود، فأخذ الأب من مال ابنه مقيد بالاحتياج وعدم الإسراف، كما بيناها في الفتوى رقم: 1569.
وأما النفقة على الإخوة، فقد اختلف الفقهاء فيمن يستحق النفقة بسبب القرابة، والراجح عندنا ـ كما سبق في الفتوى رقم: 44020ـ وجوب النفقة لكل قريب وارث بفرض أو تعصيب، بشرط أن يكون فقيرا لا مال له ولا كسب، وأن يكون لمن وجبت عليه النفقة قدر زائد عن نفقة نفسه وعياله الخاصة.
قال ابن قدامة في المغني : ظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لموروثه.
وذكر قبل هذا الموضع أن ذلك بثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون فقيرا لا مال له ولا كسب.
والثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليه فضلا عن نفقة نفسه، إما من ماله أو من كسبه.
والثالث: أن يكون المنفق وارثا. اهـ.
وعلى ذلك فينظر في حال أبيك وإخوتك، فإن كانوا فقراء محتاجين فنفقتهم واجبة عليك، وإلا لم تجب. وظاهر السؤال أن الوالد غير محتاج، فإنه يملك أرضا ذات قيمة. وأما تزوج إخوتك فليس من شرطه أن يمتلكوا بيوتا، بل الحاجة تندفع باستئجار بيت أو شقة.
فإن كنت بنيت هذا المنزل المذكور على نفقتك ولم تقصد التبرع لإخوتك بنفقته، فلك أن تجعل ذلك على سبيل القرض كما ذكرت. فإن ما أنفق المرء من نفقة لا تلزمه شرعاً بنية الرجوع فيه، فإن له أن يطالب به، بخلاف ما إذا قصد بها التطوع أو التبرع، فليس له حق الرجوع فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء. رواه البخاري ومسلم.
ولا حرج على والدك إذا خصَّك بعطية من أرض أو غيرها مقابل ما أنفقته، فإن التفضيل لحاجة سائغة أو لمصلحة متحققة لا بأس به، وتفضيل من سعى وعمل مع والده وبذل المال في البناء أمر سائغ شرعا لأن صاحبه يستحق المكافأة، وليس هذا من الإيثار المحرم، وراجع في ما سبق الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 122934، 114540، 103854.
والله أعلم.