الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المسألة يختلف حكمها باعتبارين:
ـ الأول: موضوع النقاش، هل هو موضع بيان اعتقاد أو حكم من أحكام الشريعة في الحلال والحرام، فهذا لا يتسامح في الاستشهاد فيه بما لا يعلم بوثوق نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتصر ذلك على الصحيح والحسن، أما المواعظ والرقائق والفضائل والقصص والأخبار فمما يتساهل فيه من حيث الجملة. فقد رخص جماعة من أهل الحديث في رواية الحديث الضعيف والعمل به في غير العقائد والأحكام بقيود، كما سبق التنبيه عليها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 41058 ، 19826 ، 19651 ، 27850 ،هذا بخلاف الأحاديث الموضوعة والمكذوبة فلا يجوز الاستشهاد بها مطلقا، بل لا يجوز ذكرها إلا إذا قرن هذا الذكر ببيان حالها أي أنها مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 27801.
والاعتبار الثاني: مصدر تلقي الحديث، فمن يعتمد على الكتب المعروفة، حتى ولو كان فيها الضعيف ـ ككتاب (الترغيب والترهيب) مثلا، بحيث يقرأ فيه وينقله منه للناس، فهذا لا يستوي مع يعتمد على القصاصات والصحف والمجلات غير المتخصصة ولا الموثوق فيها، ولا يستوي كذلك مع من يذكر الحديث على التوهم، لا يذكر أين قرأه ولا ممن سمعه. هذا من حيث العزو والإسناد، أما من حيث المعنى، فجمهور العلماء يجوزون رواية الحديث بالمعنى لمن يعرف اللغة ويأمن من اللحن وتغيير المعاني، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 62130.
وعلى أية حال فلا بد من مراعاة أن التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كالحديث عن غيره، فينبغي التوقي والتيقظ والتحري في النقل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. رواه البخاري.
وذكر عمرو بن ميمون حال عبد الله بن مسعود عند التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول بشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله قال صلى الله عليه وسلم. فنكس، قال: فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيها بذلك. رواه ابن ماجه، وبوب عليه: (التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وصححه الألباني. وقد سبق لنا بيان طرق الحكم بصحة الحديث أو ضعفه في الفتوى رقم: 18973.
والله أعلم.