الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبهك أيها السائل الكريم إلى أنه لا يجوز لك الاسترسال في العلاقة مع خطيبتك بهذه الطريقة التي تذكر حتى ولو كان ذلك في مجال الطاعة والتعاون على البر والتقوى، وذلك لأنها ما زالت أجنبية عنك، طالما أنك لم تعقد عليها، والانبساط في العلاقة مع المخطوبة بجانب كونه من المحظورات الشرعية، فهو أيضا له آثاره السيئة وعواقبه الوخيمة، وهذا قد أشبعناه كلاما في عشرات إن لم يكن مئات الفتاوى على الموقع.
أما ما تتذرع به خطيبتك من أنها وأهلها لن يوافقا على عقد الزواج فترة الإجازة بحجة أنه لم يحدث تعارف كاف بينكما، فهذا كلام مبني على فهم خاطئ، ولو أنهم فقهوا أن المرأة في فترة الخطوبة أجنبية عن زوجها وأنه لا يجوز لها أن تنبسط إليه في العلاقة لأدركوا أن تطويل أمد الخطبة لن يحقق لهم ما يريدون، بالإضافة إلى أن فترة الخطوبة هي في الغالب فترة تجمل وتودد، وكل واحد من الخاطبين إنما يحرص على إظهار أفضل ما لديه من خلق وإخفاء جميع عيوبه وسيئاته، وقد أرشدناك في فتوانا السابقة إلى استحباب تعجيل العقد وعدم تطويل فترة الخطبة.
أما ما تزعمه هذه الفتاة –هداها الله - من عدم حاجتها لسؤال أهل العلم لأن الله وهبها عقلا، فهذا الكلام إنما يدل على جهل بأحكام الله وغفلة عن أوامره، فإن الله سبحانه لم يجعل العقل مشرعا ولا هاديا لتفاصيل التكليف، وإنما يعرف ذلك من الأنبياء وما أرسلوا به من البينات والزبر، ثم بسؤال ورثتهم من بعدهم وهم العلماء قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. {النحل: 43}.
قال القرطبي رحمه الله: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه، لقوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {النحل: 43}. وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. انتهى.
وإلا فلماذا لا تستغني بعقلها عن سؤال أهل الطب إذا ألمّ بها مرض، ولماذا لا تستغني بعقلها عن سؤال أهل الهندسة إذا أرادت تشييد بناية ونحوها، ولكن الدين هو المطية السهلة عند كثير من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وإذا كان الاستفتاء عبر المواقع الالكترونية يسبب لها بعض الحرج نظرا لتأخر الفتوى، أو عدم قدرتها على التواصل مع أهل العلم، فيمكنها أن تقصد أهل العلم مباشرة بالسؤال فتشافههم بالسؤال، أو تتواصل معهم بالهاتف ونحوه من وسائل الاتصال وهذا في غاية اليسر لمن شرح الله صدره للدين.
والذي ننصحك به هو أن تقف معها وقفة صريحة عند أول لقاء بها وفي وجود بعض محارمها، ثم تصارحها بما لديك من هواجس بشأن ما ذكرت من حديثها، وأن تبين لها خطأ تفكيرها هذا، وتعلمها أنه لا ينال عبد حقيقة الإيمان حتى يحكم الله ورسوله في كل أموره دقيقها وجليلها، فإن استجابت لك في ذلك وأذعنت لما تقول ورضيت بالشرع حكما ومرجعا، فأخبرها ووليها برغبتك في إتمام العقد وأنك لن تأتي إليهم بعد ذلك لأنه لا يجوز لك تكرار اللقاء بها بغير حاجة، فإن أجابوك فأتمم عقد الزواج على بركة الله، وإن طلبوا منك إمهالهم فالأمر إليك فإن شئت وافقتهم بشرط ألا يحملك طول أمد الخطبة على انتهاك محارم الله، وإن شئت انصرفت عنهم.
أما إن ظهر عدم استجابتها لك أصلا، وأنها معرضة عما تعظها به، فعليك أن تنصرف عنها وتبحث عن غيرها من ذوات الخلق والدين.
والله أعلم.