الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
وأما قولك: أي مصلحة في معاونة وإقرار هذه المجالس عبر الانخراط فيها إذا كانت استبدلت شريعة الله بقوانين وضعيّة مصادمة للشريعة . فنقول:
قد حصل في كلامك خلط واضح، فإنه لا يلزم من الانخراط في هذه المؤسسات الإقرار بها أو دعمها, فإن الغالب على أهل الدين والخير عندما ينخرطون في مثل هذه المؤسسات كالمجالس النيابية مثلا أن تكون لهم برامج واضحة تعلن ولاءها للشريعة والتزامها بأحكامها المباركة, ويعلم القاصي والداني أن وجودهم في مثل هذه الأماكن إنما هو وجود المخالف المعارض، ولذا فإنهم لا يسلمون طول الوقت من التضييق عليهم والتربص بهم.
أما المصلحة من وجودهم في مثل هذه الأماكن فهي تقليل المفاسد وتحقيق المصالح ما أمكن، وهذا ولا شك من المصالح التي اعتبرتها الشريعة, وقد سبق بيان هذا وكلام أهل العلم عليه في الفتوى المذكورة, وهذا هو مناط الحكم بجواز دخول مثل هذه المؤسسات، بحيث لو عدم هذا وتيقن أو غلب على الظن عدم تحقيق مصلحة من ذلك فإن الحكم حينئذ يعود إلى أصله من حظر المشاركة والانخراط في هذه المؤسسات, كما تقرر في علم الأصول أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما .
وأما قولك: و متى كانت النيّة الصالحة تصلح العمل الفاسد. فنقول:
الأمر هنا ليس مجرد نية كما سبق بيانه، بل نية صالحة مقترنة بعمل صالح وهو تقليل المفاسد، وتحقيق المصالح ما تمهد سبيل إلى ذلك.
ومن هنا يعلم الجواب على الجزئية الأخيرة من استفسارك وهي: هل بإمكان مجموعة من الأفراد أن تصلح نظاما قام أساسا على تنحية الشريعة والحكم بغير ما أنزل الله؟ فنقول:
إنهم لا يطالبون بإصلاح مثل هذه المؤسسات كلية ما داموا غير قادرين على ذلك، ولكن لو أمكنهم تحقيق بعض الإصلاح المقصود, أو دفع بعض الفساد الموجود، أو نفع بعض عباد الله المؤمنين, فهذا مما يقصده الشرع ويأمر به.
وسبق أن نقلنا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات. ويرى ذلك من الورع. انتهى
والله أعلم.