الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يخفى عليك أيتها السائلة أن هذا الرجل – مع فجوره وإجرامه وانتهاكه لحرمات ربه – ما كان ليفعل ما فعله معك إلا بمساعدتك له وتمكينك له من هذه الأفعال الشائنة المقيتة, ولا ندري أي أدوية أو مستلزمات تلك التي تدفعك للتفريط في دينك وعرضك وشرفك, خصوصا مع ما ذكرت أن كثيرا من هذه الأشياء لم تكوني تنتفعين بها, وإنما غيرك من أقاربك من كانوا ينتفعون بها فكنت والعياذ بالله ممن يبيع دينه بدنيا غيره, وما أعظمها من خسارة.
ولقد زين لك الشيطان سوء عملك فأراكه حسنا, وخدعك بأنك بهذا تجعلينه يتعلق بك ثم بعد ذلك تتركينه فتعظم حسراته, وهذا لا شك من خطوات الشيطان التي أمرنا الله سبحانه بالحذر منها في غير موضع من كتابه الحكيم, لكن هذا الفعل مع بشاعته لا يعتبر من الزنا الموجب للحد بل هو من مقدمات الزنا التي توجب التعزيز والتأديب, وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 5779.
ثم لم يزل بك الشيطان إلى أن أوقعك في زلة أخرى كان من الممكن أن تفتح الباب أمام فتنة أخرى بعد انتهاء الفتنة الأولى, ألا وهي ما قمت به من الحديث مع مدرس الدورة المذكور, ولا ندري كيف تتحدثين مع رجل أجنبي عنك في مثل هذه الأمور الحساسة, وهلا إذ ضاق صدرك بفعلك وأردت أن تنفسي عن نفسك أقول: هلا اخترت لذلك الغرض امرأة مثلك فاستنصحتيها؟
فعليك أيتها السائلة بالتوبة النصوح إلى الله جل وعلا, والاستغفار لذنبك, وترك معاملة الرجال الأجانب إلا بالقدر الذي تتطلبه الضرورة وتقتضيه الحاجة وبالضوابط الشرعية المبينة في الفتوى رقم: 24854.
وعليك بالاستكثار من الأعمال الصالحة المكفرة عسى الله أن يغفر زلتك ويقيل عثرتك.
وما أخذت من مال أو هدايا من هذا الرجل إن غلب على ظنك أنها كانت من أجل تلك العلاقة المحرمة، فإنه أخذ بباطل وبغير وجه شرعي لا يحل لك أكله والانتفاع به، لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ {النساء: 29}.
وفي هذه الحالة تتخلصين منه بصرفه على الفقراء والمساكين ووجوه الخير ومصالح المسلمين العامة.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: ومن باع خمراً لم يملك ثمنه، فإذا كان المشتري قد أخذ الخمر فشربها لم يجمع له بين العوض والمعوض، بل يؤخذ هذا المال ويصرف في مصالح المسلمين، كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن وأمثال ذلك مما هو عوض عن عيب أو منفعة محرمة إذا كان العاصي قد استوفى العوض.
أما قولك :إنك تخافين ألا يتقبل الله توبتك فهذا لا يجوز؛ لأنه من سوء الظن بالله, وهو من الكبائر إذ الواجب على العبد أن يحسن الظن بمولاه وأن يظن بعد التوبة والاستقامة أن الله سيتقبل منه ويغفر له. قال تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}
جاء في تفسير ابن كثير: عن النعمان بن بشير في قوله:{ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } أن يذنب الرجل الذنب، فيقول: لا يغفر لي، فأنزل الله: { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } رواه ابن مَرْدويه.
وجاء فيه أيضا عن جماعة من السلف: إنها في الرجل يذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له، فيلقي بيده إلى التهلكة، أي: يستكثر من الذنوب فيهلك. انتهى.
أما بخصوص دعوة زوجك إلى الصلاة وشعائر الإسلام فإنها تجب عليك, ولو كنت مقصرة في بعض أوامر الله, لأنه لا يشترط في الناصح ولا في الآمر بالمعروف أن يكون كامل الاستقامة, جاء في تفسير ابن كثير عند قوله سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ {البقرة: 44} قال: وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها.
والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، قال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول له: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. وقال مالك: وصدق؛ من ذا الذي ليس فيه شيء؟ قلت: ولكنه -والحالة هذه- مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك. انتهى.
ولا يجوز لك أن تحدثي زوجك بما حدث معك؛ فإن فعلت فقد ارتكبت إثما ينضاف إلى جملة الآثام, وليس هذا من شروط التوبة ولا من مستحباتها بل هذا منهي عنه بصريح الأحاديث الصحيحة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
فيجب عليك أن تستري نفسك ولا تحدثي أحدا كائنا من كان بما ستر الله عليك.
أما بالنسبة للأسباب التي تعين على المذاكرة فأعظمها بعد الاستعانة بالله سبحانه التوبة والاستغفار فإن الذنوب لها تأثير عجيب في جلب الكسل والخمول وضعف الأبدان والأرواح. جاء في كتاب الداء والدواء لابن القيم: قال عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق. ومنها أن المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لاتزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية. وأما وهنها للبدن فان المؤمن قوته من قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه. وأما الفاجر فانه وإن كان قوي البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه. انتهى.
وللفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 73289، 108152، 57809، 29410 .
والله أعلم.