الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكرك أولا على دخولك على موقعنا ونسأل الله تعالى أن ينفعك بما تطلع عليه في هذا الموقع، ثم إنك ذكرت في سؤالك معلومة غير صحيحة وهي كون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تزوج من امرأة نصرانية، فإن كنت تعني مارية القطبية فإنها قد أسلمت فعلا، وهذا أمر ثابت، وقد بيناه بالفتوى رقم: 12668.
ويحسن بنا أن نجمل جواب ما أوردت من شبهات في النقاط الآتية:
النقطة الأولى: وهي تتعلق بالحكمة من إباحة زواج المسلم من الكتابية يهودية أو نصرانية، فنقول إن الله تعالى أباح للمسلم أن يتزوج الكتابية التي تؤمن بمبدأ وجود الله تعالى وتوحيده في الجملة وهي تدين بأصل شرع نزل من عند الله تعالى بخلاف الوثنية والتي لا تدين بشيء أصلا، كما أن المسلم إذا تزوج كتابية فهو يؤمن بكتابها غير المبدل ورسولها، فيكون معها أساسا للتفاهم في الجملة يمكن معها للحياة أن تستمر ويمكنه معها أن يدعوها إلى الإسلام الذي يعتقد المسلم أنه الدين الحق وأن فيه النجاة للبشرية.
النقطة الثانية: لا ندري ما تعني بقولك: إنكم تعترفون بالصابئة فإن كنت تعني أنهم أصحاب دين سماوي فهذا غير صحيح، فإن الصابئة ليس لهم دين سماوي مستقل، بل هم عدة مذاهب وفرق فمنهم من يعتبرون أنفسهم أتباعا لنوح عليه السلام، ومنهم من يزعم أنه يتبع يحيى ابن زكريا، ومنهم من لفق له مذهبا من بين اليهودية والنصرانية، ومنهم من لفق له مذهبا من بين اليهودية والمجوسية، ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتوى رقم: 23568، وعلى هذا، فيسقط سؤالك عن الصابئة من أصله.
النقطة الثالثة أن الحنفية هي الميل عن الشرك إلى التوحيد وهذه هي حقيقة الإسلام، وقد كان الإسلام بهذا المعنى العام هو دين الأنبياء جميعا أي أنهم كلهم جاءوا بالدعوة إلى التوحيد. قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ {الأنبياء:25}، وقال: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ {النحل:36}.
وهذا لا يدخله النسخ أصلا، ولهذا قال الله تعالى: قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة:136}.
وإنما يختلف هؤلاء الأنبياء في الشرائع أي أمور الحلال والحرام فيكون الشيء حلالا في شريعة أحد الأنبياء حراما في شريعة الآخر. قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة:48}.
ومن الجميل أن ينشد الإنسان طريق الخلاص، ولكن ينبغي أن تعلم أن الخلاص في دين الإسلام فهو الدين الحق الذي لا يقبل الله تعالى من الناس دينا سواه، ولمعرفة دلائل كون الإسلام الدين الحق راجع الفتويين: 6828، 20984، ولمعرفة دلائل كون النصرانية دينا باطلا راجع الفتاوى الآتية رقمها: 8210، 10326، 33974.
والله أعلم.