الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
1- فما ذكرت من أن زوجك قد حلف بالله إن لم تلتزمي بأمر معين فسوف يطلقك فهذا يمين بالله, وحيث إنك قد فعلت هذا الشيء فزوجك بالخيار إما أن يمسكك ويكون قد حنث في يمينه ويلزمه حينئذ كفارة يمين، وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة , وإما أن يطلقك ولا كفارة عليه حينئذ.
2- أما ما ذكرت من قوله لك: لو استمر هذه الوضع فإنك تكونين طالقا وقد وقع ما حلف عليه من الخلاف والانفعال, فهذا من الطلاق المعلق، ومذهب جمهور العلماء وقوع الطلاق عند وقوع ما علق عليه اليمين, وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج إذا كان قصده مجرد المنع والزجر وهو كاره لوقوع الطلاق فإن الطلاق لا يقع ويلزمه كفارة يمين فقط، وبناء على مذهب الجمهور وهو الراجح فإن الطلاق قد وقع لوقوع ما علق عليه من خلاف وانفعال ولو مرة واحدة؛ إلا إذا كان قد قصد التكرار ولم يقصد وقوع الطلاق لمجرد المرة الواحدة.
3- أما ما ذكرت من معاملة زوجك لك وتهديده دائما لك بالطلاق فهذا غير جائز وهو يتنافى مع المعاشرة بالمعروف التي أمره الله بها, وليس معنى أن الطلاق بيد الرجل أن يتخذه سيفا مصلتا على رقبة المرأة، كلا فالحياة الزوجية ميثاق غليظ، وعقد متين ينبغي الحفاظ عليه، وصونه عن العبث. فقد قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.
ويجب على كل من الزوجين عند النقاش في أي أمر من الأمور أن يكون هدفه الوصول إلى الحق والصواب، وليكن مستحضراً قول العبد الصالح شعيب الذي حكاه عنه الله تبارك وتعالى: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {هود:88}.
وهذا مما يوجب على المرء أن يستقبل رأي مناقشه برحابة صدر، ولين جانب، لأن اختلاف العقول والأفكار سنة من سنن الله تعالى في خلقه، بل هي سبب من أسباب عمارة الدنيا واستمرار الحياة، إذ لولا اختلاف العقول والأفهام، لما وُجد التنوع المشهود في الأعمال والوظائف والصناعات.
فإذا وجد المتحاور من محاوره صلابة في الرأي أو حدة في القول فليلن له الجانب وليُحسن له القول، قال الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة: 83}. وقال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {الإسراء:53}.
وهذا إذا كان أمراً عاماً لجميع الخلق فهو للزوجين من باب أولى لما بينهما من الصلة التي قدمنا ذكر خطورتها، وقوة منشئها.
وإننا لنقول للأخت السائلة: عليك بنصح زوجك بالمعروف مع الصبر على ما يصدر منه، فلعل هذا من طباعه التي يمكن تغييرها بالصبر عليها، والتغاضي عنها.
كما أننا ننصحك بالتوبة إلى الله تعالى من كل الذنوب، لقول الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}.
فلعل سبب ما يحصل هو ارتكابك لمعصية من المعاصي التي يجب عليك التوبة منها، وقال الله تعالى: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ
ثم عليك بالاستعانة ببعض أهل العلم والخير لينصحوا الزوج ويذكروه بحقوق زوجته عليه, ووجوب معاشرتها بالمعروف, ومعاملتها بالحسنى، نسأل الله سبحانه أن يصرف عنكم كيد الشيطان وأن يصلح ذات بينكم.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6142، 51788، 27756.
والله أعلم.