الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت تقصدين بقولك يكفر، أي يكفر بالله تعالى فإنك لم تبيني لنا بأي وجه حكمت على زوجك أنه يكفر، فالحكم بالكفر حكم عظيم وأثره خطير فلا ينبغي المسارعة في ذلك إلا بحجة واضحة وسلطان مبين، فإن كان قد ثبت هذا لديك وكان زوجك قد أتى فعلاً من الأفعال التي يكفر صاحبها قطعاً كأن سب الله أو سب دينه أو بعض رسله أو كتبه أو استهزأ بشيء من شعائر الإسلام، فلا شك أنه قد كفر بفعله.
قال الموفق ابن قدامة في المغني: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جاداً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو آياته أو برسله، قال الله تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ. انتهى.
وإذا ثبت كفره فقد انحلت عقدة النكاح بينكما وصرت محرمة عليه لا يحل له أن يقربك ولا يحل لك أن تمكنيه من ذلك، لقوله تعالى في زوجات المشركين اللاتي أسلمن: فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {الممتحنة:10}، هذا إذا ثبت كفره، أما إذا لم يثبت ذلك فإن عليك أن تذكريه بالله وأن تطالبيه بالاستقامة وأداء الحقوق من نفقة عليك وعلى أولادك فإن النفقة على الزوجة والأولاد إنما تلزم الزوج وحده ولا تطالب بها المرأة لا في قليل ولا كثير، حتى ولو كانت غنية، لقوله تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:233}، ولقوله جل وعلا: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا {الطلاق:7}، قال ابن المنذر: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعاً بالغين، إلا الناشز منهن الممتنعة.
واعلمي أن سائر الأفعال التي ذكرت عن زوجك إنما هي من كبائر الذنوب، وأعظمها على الإطلاق ترك الصلاة، فقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفر من ترك صلاة واحدة متعمداً دون عذر حتى يخرج وقتها، وأيضاً فإن سب الزوجة وإهانتها من المحرمات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
قال النووي: واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. انتهى.
ويزداد الإثم إذا وقع السب للزوجة لما لها من حق على الزوج زائد عن الحقوق الواجبة لعموم المسلمين، ولما جاء في القرآن والسنة من الأمر بمعاشرتها بالمعروف، جاء في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الحادية والخمسون الاستطالة على الضعيف والمملوك والجارية والزوجة والدابة، لأن الله تعالى قد أمر بالإحسان إليهم بقوله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا. انتهى..
وليعلم هذا الزوج أن الإسلام ما جاء إلا بإعزاز المرأة وإكرامها، وأن فقهاء الإسلام وعلماءه قد جعلوا ما يصدر من الرجل من أذى لزوجته مما هو دون ذلك يجيز لها طلب الطلاق، ولو حدث مرة واحدة لم يتكرر بعدها، بل وفي بعض الأحوال أوجبوا مع الطلاق التعزير البليغ الذي يردع هذا الذي يهين زوجته ويعتدي عليها، قال خليل: ولها التطليق بالضرر البين ولو لم تشهد البينة بتكرره.
وقال الدردير في الشرح الكبير، فقال: ولها أي للزوجة التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعاً، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها، نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيراً من رعاع الناس ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق، كما هو ظاهر وكوطئها في دبرها. انتهى.
أما ما ذكرت من هجرك له لمجرد المعصية أو التقصير في النفقة فهو غير جائز لأن الله سبحانه قد جعل الهجر حقاً للزوج وحده، ولكن في هذه الحالة يمكنك رفع أمرك للقاضي ليرفع عنك الضرر أو تطلبي أنت الطلاق للضرر.
وللفائدة في الموضوع راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31884، 5629، 25456.
والله أعلم.