الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يفرج كربك، وأن يذهب همك، وأن يحقق لك فيما يرضيه آمالك، ولا شك أن أباك هذا -هداه الله- قد وقع في الظلم والبغي والعدوان وتضييع الأمانة التي استأمنه الله عليها، بما فعله معك من سب وضرب موجع وحبس وحرمان من العلاج والدواء، وإخراج لك من البيت وترك النفقة عليك كل هذا ظلم بين، وسيئات وأوزار يسود بها صحائفه، ويسخط بها مولاه.. وإن من الظلم لك ما فعله من العضل وهو منعك من الزواج بهذا الشاب إذا كان صاحب دين وخلق، وقد تقرر في شرع الله أن العضل من الولي مسقط لعدالته وولايته، وموجب لفسقه وجرحه، قال الموفق ابن قدامة في المغني: ومعنى العضل: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. إلى أن قال: فإن رغبت في كفء بعينه وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلاً لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلاً لها بهذا، لأنه لو زوجت من غير كفئها كان له فسخ النكاح، فلأن تمنع منه ابتداء أولى. انتهى.
وقال خليل بن إسحاق المالكي: وعليه الإجابة لكفء، وكفؤها أولى، فيأمره الحاكم ثم زَوَّج. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة، الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا -كما هو الغالب- فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي. انتهى..
ولكن مع هذا فلا يجوز لك أن تزوجي نفسك بدون ولي حتى وإن كان هذا مذهب الأحناف لأنه رأي مرجوح مخالف لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. أخرجه ابن حبان في صحيحه.
ولكن نقول: إن كانت نفسك قد تعلقت بهذا الرجل وخفت إن أنت تركت الزواج منه أن تصيبك فتنة في دينك أو أذى في دنياك، فإنه يجوز لك في هذه الحالة أن ترفعي أمرك للقضاء، حتى وإن لم توجد في بلدك محاكم شرعية، ووجدت القوانين الوضعية خصوصاً وأن هذه القوانين في كثير من بلاد المسلمين تحافظ على الحكم بأحكام الشريعة فيما يخص جانب الأحوال الشخصية، وقد نص بعض أهل العلم على أنه يجوز التحاكم للقوانين الوضعية عند الضرورة، ومثلها الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة إذا لم توجد محاكم شرعية، وإذا قضي له بغير حق له فلا يحل له أخذه. انتهى.
وسئُل الشيخ عبد الرزاق عفيفي عن حكم التحاكم إلى المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية؟ فقال رحمه الله: بقدر الإمكان لا يتحاكم إليها، أما إذا كان لا يمكن أن يستخلص حقه إلا عن طريقها فلا حرج عليه. انتهى. وقد بينا هذا بالتفصيل في الفتوى رقم: 105534، والفتوى رقم: 112265، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 77097، 8799، 110794، 32593.
والله أعلم.