الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد لله الذي منَّ عليك بالتوبة والهداية، وأما بخصوص ما ذكرته في السؤال فيتعين النظر أولاً فيما إذا كنت بالغاً الحلم وقت فعلك ما فعلت أو لا؟ وعلامات البلوغ للرجل إما إنزال المني بشهوة أو إنبات الشعر الخشن حول القبل وهو شعر العانة أو بلوغ السن وهو خمس عشرة سنة هجرية، وانظر لذلك الفتوى رقم: 26889.
فإن لم تكن بالغاً وقتها فلا إثم عليك ولا قضاء ولا كفارة؛ لأن قلم التكليف كان مرفوعاً عنك.. وأما إذا كنت بالغاً وقتها فالواجب عليك حساب تلك الأيام التي أفطرت فيها، فإن شككت في عددها فاعمل بالأحوط واقض من الأيام ما تتيقن أو يغلب على ظنك معه أنك أبرأت ذمتك، وهل عليك مع القضاء الكفارة؟ في هذا قولان معروفان للعلماء، والصحيح وهو مذهب الجمهور أن الكفارة لا تجب إلا في الفطر بالجماع، وأن من أفطر بغير الجماع فلا كفارة عليه، قال ابن قدامة في المغني: أنه متى أفطر بشيء من ذلك فعليه القضاء، لا نعلم في ذلك خلافاً لأن الصوم كان ثابتاً في الذمة فلا تبرأ منه إلا بأدائه ولم يؤده، فبقي على ما كان عليه، ولا كفارة في شيء مما ذكرناه في ظاهر المذهب. وهو قول سعيد بن جبير والنخعي وابن سيرين وحماد والشافعي، وعن أحمد أن الكفارة تجب على من أنزل بلمس أو قبلة أو تكرار نظر، لأنه إنزال عن مباشرة أشبه الإنزال بالجماع، وعنه في المحتجم، إن كان عالماً بالنهي فعليه الكفارة وقال عطاء في المحتجم عليه الكفارة، وقال مالك: تجب الكفارة بكل ما كان هتكاً للصوم، إلا الردة لأنه إفطار في رمضان أشبه الجماع.
وحكى عن عطاء والحسن والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق أن الفطر بالأكل والشرب يوجب ما يوجبه الجماع، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه اعتبر ما يتغذى به أو يتداوى به، فلو ابتلع حصاة أو نواة أو فستقة بقشرها فلا كفارة عليه، واحتجوا بأنه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه فوجبت عليه الكفارة كالمجامع، ولنا أنه أفطر بغير جماع فلم توجب الكفارة كبلع الحصاة أو التراب أو كالردة عند مالك، ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا إجماع ولا يصح قياسه على الجماع، لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس، والحكم في التعدي به آكد، ولهذا يجب به الحد إذا كان محرماً، ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته، ووجوب البدنة ولأنه في الغالب يفسد صوم اثنين بخلاف غيره. انتهى.
وعليك مع هذا إطعام مسكين مع كل يوم أخرت قضاءه حتى جاوزت رمضان الذي يليه لفتوى أبي هريرة وابن عباس بذلك، ولا مخالف لهما من الصحابة، فإن كنت لا تعلم بوجوب القضاء قبل أن يأتي رمضان الثاني فلا كفارة عليك، وأما الشهران اللذان صمتهما فتثاب عليهما إن شاء الله ويقعان نفلاً، ولا يجزئانك عن القضاء لأن القضاء لا بد فيه من النية ولا بد مع ذلك من تبييت النية من الليل، وعلى هذا القول الذي نرجحه فلن يكون بينك وبين أمك إشكال لأنك لن تصوم إلا أياماً قليلة، ولا يشترط تتابعها ولا نظن أمك تعترض على هذا ولن تكون هناك حاجة تدعو للكذب عليها، فإذا فرضنا أنها ستعترض فلا يجوز لك طاعتها في ترك الصوم لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذا الصوم واجب عليك، ويمكنك أن تستخدم التعريض المباح إذا وجدت مفسدة من علمها بصومك.
والله أعلم.