الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نتبين من كلامك ما إذا كنت قد عقدت على هذه الفتاة أم لا، ولكن على أية حال فإنا نقول: إن كنت لم تعقد عليها وكان الأمر لم يتعد الخطوبة، فإنا ننصحك بتركها والبحث عن زوجة أخرى؛ لأنه طالما أنك لم تسترح إليها، فإقدامك على الزواج منها مغامرة غير مأمونة العواقب ولا يعد ذلك عقوقا لوالديك، بل يخشى من ذلك أن تقع في ظلم لنفسك أولا وظلم لهذه الفتاة ثانيا، فانصرف عنها من الآن. وقد أمر الله بنكاح من تطيب للإنسان ويستريح إليها، قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ {النساء:3}، قال السعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية - أنه ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى مَنْ يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره اهـ.
وأما إن كنت قد عقدت عليها فإنا نوصيك بأن تتمهل في أمرك وتتروى في شأنك؛ لأن الطلاق ليس بالأمر السهل بل هو آخر الحلول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والطلاق في الأصل مما يبغضه الله وهو أبغض الحلال إلى الله، وإنما أباح منه ما يحتاج إليه الناس كما تباح المحرمات للحاجة اهـ. فيمكنك مثلا أن تؤجل أمر الدخول بها فترة تحاول فيها أن تجلس معها مرة بعد مرة، وتحاول أن تتأمل جوانب الخير فيها، وأن تبحث عن أسباب النفرة لتعالجها، وقد قال الله جل وعلا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {النساء: 19} قال ابن العربي عند تفسيره لهذه الآية: المعنى إن وجد الرجل في زوجته كراهية وعنها رغبة ومنها نفرة من غير فاحشة ولا نشوز فليصبر على أذاها وقلة إنصافها، فربما كان ذلك خيرا له اهـ. وقال ابن الجوزي في هذه الآية: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها، ونبهت على معنيين: أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محمودا ومحمود عاد مذموما. والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه مكروه فليصبر على ما يكره لما يحب اهـ.
وقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه، وسلم قال: لا يَفْرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر. فإن لم يجد هذا نفعا وبقي الأمر على ما هو عليه عند ذلك يمكنك أن تطلقها.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 43560.
والله أعلم.