الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمما يشكر لك ـأ خي السائل ـ حرصك على تعظيم اسم الله وصيانته عن الابتذال، وهذا من تعظيم شعائر الله الدال على تقوى القلوب، قال سبحانه: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}، قال السعدي في تفسيره: فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله.
فكل ما قد يفهم منه أنه إهانة أو استخفاف بذكر الله تعالى فلا يليق فعله، ولهذا المعنى نص أهل العلم على استحباب ترك ما فيه ذكر الله تعالى عند دخول الخلاء، وألحقوا بذلك أسماء الأنبياء والملائكة، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10882، 24215، 24521، 31109، 61357. ونصوا كذلك على منع إلقاء ذلك في سلة المهملات وأماكن القاذورات، وقد سبق بيان ذلك أيضا في الفتوي رقم: 63171.
وبالجملة فلا شك ولا خلاف في لزوم تعظيم اسم الله تعالى، ولكن ينبغي أن يتم ذلك في حدود المقاصد الشرعية، والتي منها رفع الحرج والمشقة عن العباد، كما قال تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 6}. وقال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا. رواه البخاري.
قال ابن حجر: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب. قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع... وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة، وخير دينكم اليسرة. وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع. انتهى.
والمقصود أنا ننبه السائل الكريم على أن تشديده على نفسه من هذا الباب قد يكون من الوسوسة المذمومة، وهي باب مشهور للوقوع في العنت والمشقة، فلا تفتح على نفسك هذا الباب، واكتف بإحراق أو دفن ما فيه اسم الله تعالى أو شيء من النصوص المعظمة شرعاً كنصوص الوحي والنصوص الشرعية، فإن العبد إذا فتح على نفسه باب الوسوسة فقد يلبس الشيطان عليه بأن الحرق أو الدفن نفسه فيه إهانة أعظم!! وهكذا يقع الإنسان فريسة للشيطان، يلبس عليه ويصرفه عن أعماله، كما وقع للسائل نفسه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون قالها ثلاثاً. رواه مسلم. قال النووي: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. انتهى.
والله أعلم.